دور الكرد في مصر خلال العصر الإسلامي

دور الكرد في مصر خلال العصر الإسلامي

أما في العصور الإسلامية فقد ذهب الكثير من رجالات الكرد إلى مصر والقاهرة على شكل جنود وقادة عسكريين وطلبة علم لتلقي المعرفة من الجامع الأزهر، ومن الشخصيات الكردية التي برزت في مصر في العصر الفاطمي أحمد بن ضحاك أحد الأمراء الأكراد، الذي تولى في عهد الخليفة الفاطمي القادر بالله مناصب مهمة في الجيش المصري، واتفق أن جردت حكومة روما الشرقية جيشاً على قلعة ( آفاميا ) بالقرب من نهر العاصي تحت قياد القادة (دوقس داميانوس ــ دهلاسينوس )، واحتدمت المعارك بين الجيش الرومي والجيش المصري الذي كان بقياد القائد ( جيش بن محمد بن الصمصامة )، وأسفرت عن اندحار الجيش المصري الذي لم يبق منه سوى خمسمائة خيال، في حين كان قائد الجيش المنتصر يتمتع بنشوة الظفر من فوق ربوة عالية . فلم يتمالك القائد الكردي أحمد بن ضحاك من الاندفاع نحو القائد الرومي فهجم عليه بمفرده وأراده قتيلاً. وصاح عندئذ بصوت جهوري قائلاً : ” إن عدو الله قد قضى نحبه “، فأثر ذلك على معنوية الجيش المصري المدحور وعاد إلى ميدان النضال فهزم الجيش الرومي، فكتب النصر بذلك للجيش الفاطمي(3).

وبرز أيضاً الملك العادل أبو الحسن سيف الدين علي بن سالار، وزير الظافر العبيدي صاحب مصر. وكان كرديا من عشيرة ( زرزائي ) الساكنة في إيران، وقد ربي في القصر بالقاهرة، وتقلبت به الأحوال في الولايات بالصعيد، فعيّن والياً على الإسكندرية، وتولى الوزارة للظافر في القاهرة في رجب سنة (543 هـ)، ونُعِتَ بالعادل أمير الجيوش. واستمر في الوزارة إلى أن قتل بيد حفيد امرأته أم عباس ( نصر بن عباس ) في سنة(548 هـ/ 1152م)، بعد أن كان شهماً مقداماً ذا سطوة مع صحبته لأصحاب العلم والإصلاح. وعمر بالقاهرة المساجد، وبنى مدرسة في الإسكندرية للشافعية(4).

الكرد يؤسسون الدولة الأيوبية في مصر

من أرض مصر استطاع البطل الكردي الخالد صلاح الدين الأيوبي ( 1137-1193م) تأسيس دولته العظيمة التي استمرت أكثر من مائة عام، ومن القاهرة انطلق إلى الشرق لتوحيد بلاد الشام، ومن هناك قاد الجيوش الإسلامية لمقارعة الصليبين ودك معاقلهم، واستطاع هزيمتهم وكسر شوكتهم عقب معركة حطين الشهيرة 1187م، والتي مهدت السبيل لاسترجاع القدس وتحرير المنطقة من الغزو الصليبي.

يعد الملك المنصور أسد الدين شيركوه أول من ولي مصر من الأكراد الأيوبيين، وهو أخو نجم الدين أيوب، وعمّ السلطان صلاح الدين، وكان من كبار القواد في جيش نور الدين زنكي بدمشق، وقد أرسله على رأس جيش إلى مصر (سنة 558هـ) لنجدة شاور بن مجير السعدي الوزير الفاطمي في مصر، واشتبك مع جيش ضرغام في بلبيس وانتصر عليه وحاصره في القاهرة، ومن ثم وقعت الفسطاط في يده، واستلم القاهرة وقتل ضرغام. وبعد ذلك نبذ شاور صداقة شيركوه ومنعه من دخول القاهرة. وعلى اثر ذلك أرسل شيركوه الأمير صلاح الدين لاحتلال بلبيس والشرقية، فلما علم شاور بالأمر استعان بملك القدس الصليبي وطلب مساعدته. وأرسل له جيشا قوياً ووجهه إلى بلبيس، ودافع شيركوه عن بلبيس ثلاثة أشهر دفاع الأبطال وانتهى الأمر باتفاق ملك القدس مع شيركوه وأخلى الاثنان مصر سنة 558هـ .

رجع شيركوه مع جيشه إلى الشام. ولكن جيش ملك القدس خلافاً للمعاهدة وبدسيسة من شاور بقي في مصر، وعلى إثر ذلك قرر السلطان نور الدين زنكي مع شيركوه احتلال مصر. وبعد ثلاث سنوات من الحملة الأولى قام شيركوه على جيش يربو على ألفي محارب وتوجه إلى مصر بقصد احتلالها سنة 562هـ ، وبعد متاعب كثيرة وصل إلى الجيزة وتقابل مع جيش القدس الإفرنجي على الضفة اليسرى من نهر النيل، وعلى حين غرة هجم جيش القدس ولولا قيادة وحزم شيركوه لانتصروا عليه، ولكنه لم يقبل بالمصادمة وتوجه إلى الصعيد واشتبك في الحرب معه بالقرب من البابين وانتصر، واحتل الإسكندرية ونصب الأمير صلاح الدين قائداً عليها وترك نصف جيشه هناك، وأخذ الباقي وتوجه إلى الصعيد. أما ملك القدس فقد انسحب بعد خذلانه إلى القاهرة، وأخذ معه جيش مصر وحاصر الإسكندرية. وعلاوة على ذلك أرسل أسطوله لمحاصرة القلعة بحراً. فدافع الأمير صلاح الدين مقابل تلك القوة البحرية والبرية سبعين يوماً دفاعاً لا نظير له.

أما شيركوه فإنه تقدم بالقسم الباقي من جيشه وحاصر مصر. فإدارة شيركوه الحازمة وبطولة الأمير صلاح الدين أدخل الذعر إلى قلوب الأعداء واضطرهم إلى طلب الصلح، فلم يقبل شيركوه الصلح إلا على شرط إخلاء مصر من قبل الطرفين.

وفي الواقع أخليت مصر ورجع شيركوه إلى الشام، ولكن بعد فترة قصيرة أرسل ملك القدس جيشاً إلى بلبيس بقصد الاستيلاء على مصر وقام بأفظع الأعمال فيها، مما أجبر الحكومة الفاطمية نفسها أن ترسل هيئة من قبلها حاملة كتاباً وفي طيه جدائل نساء القصر تستغيث بالسلطان نور الدين زنكي. فأرسل السلطان شيركوه للمرة الثالثة على رأس جيش كبير إلى مصر قدر بنحو سبعين ألفا. فلما وصل خبر جيش الشام إلى ملك القدس خاف عواقب عمله وعاد إلى القدس في سنة 564هـ.

وصل شيركوه إلى القاهرة واستقبله أهلها استقبالاً حاراً ورحبوا به، وعلم بأن شاور بن مجير يأتمر به لقتله هو ومن ومعه من كبار القواد. فتعاون مع صلاح الدين على قتل شاور وأرسل رأسه إلى الخليفة ” العاضد” . الذي خلع عليه السلطنة ولقبه بالملك المنصور أمير الجيوش، وولاه الوزارة سنة 564هـ. ولم يقم غير شهرين وخمسة أيام . فتوفي فجأة سنة 564هـ /1169م. ودفن بالقاهرة. ثم نقل مع أخيه نجم الدين أيوب إلى المدينة المنورة ودفنا هناك، وقلد العاضد منصبه إلى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ولقبه بالملك الناصر(5).

تولى صلاح الدين الوزارة وقيادة الجيش ولقب بالملك الناصر، ثم أنهى حكم الفاطميين وأصبح صاحب السلطة في مصر واستقل بها.

بعد وفاة نور الدين زنكي شهدت الشام اضطرابات دعي صلاح الدين إلى ضبطها، فقام هناك بتهدئة الأوضاع وتوحيد البلدان حولها، وبدأ إصلاحات فيها وكذلك في مصر التي بنى قلعتها الشهيرة ( قلعة الجبل) والعديد من المدارس والمستشفيات والمساجد والطرق، وحافظ على المذهب السني وأعاد نشره من مخالب التشيع الخطير آنذاك، وتتابعت إنجازاته حتى دانت له البلاد، وأصبحت دولته الأيوبية تمتد من النوبة في أقصى جنوب مصر إلى بلاد الأرمن شمالاً، والجزيرة والموصل شرقاً إلى برقة غرباً، وحينها بدأ يكرس جهده لمواجهة حملات الصليبيين وغاراتهم.

تمكن صلاح الدين من توحيد شتات المسلمين بعد تفرقهم في دويلات متناحرة هيأت للصليبيين السيطرة على أراضيهم ومنها بيت المقدس سنين طويلة، وكان رجل سياسة وحرب بعيد النظر، كما عرف بعطائه وإنفاقه في سبيل الله حتى إنه لم يدخر لنفسه مالاً ولا عقاراً، وكان يهتم بإصلاح الشؤون العامة من عمران، ومجالس علم، وحلقات أدب.

كما يسجل لصلاح الدين حماية المسيحيين الشرقيين، وبالأخص أقباط مصر الذين أحبوه ووضعوا صورته في كنائسهم وأديرتهم، فصورة صلاح الدين المنشورة اليوم في جميع أرجاء العالم منقولة من كتاب روسي مأخوذ من دير قديم بمصر. ويدل البيتان الآتيان لحكيم الزمان عبد المنعم الأندلسي، الذي هبط مصر في عهد صلاح الدين، ونظم قصائد في مدحه، على أن المسيحيين في ذلك العهد رسموه ووضعوا رسمه في الكنائس؟ فهو يقول :

فحطوا بأرجاء الكنائس صورة لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم

يدين لها قس ويرقى بوصفهـا ويكتبه يشفي به في التمائــم

وعن هذا الموضوع كتب أحمد زكي باشا المصري مقالة في مجلة” رعمسيس” يقول فيها: ” كان القبط يحبون هذا الملك العظيم صلاح الدين، الذي حماهم ورعاهم، وعرفوا في كل أيامه السعادة والهنا، وأي دليل على هذا أكبر من وضع صورته إلى جانب الأيقونة المقدسة”.

كان صلاح الدين بطلاً كردياً عربياً إسلامياً عالميا، ومن أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، شهد له بذلك الشرق والغرب معا، ودخل الحروب وخرج منها مرفوع الرأس، مخالفا سير العظماء أمثال الإسكندر المكدوني ونابليون وغيرهما، فالإسكندر انتصر في البداية لكنه اندحر في النهاية ومات قتيلا على يد عبيده، ونابليون دوخ العالم لكنه مات منفياً مسموماً في إحدى الجزر النائية… نعم سيبقى العالم يذكر انتصارات صلاح الدين وإنجازاته السياسية والعمرانية على مر الأيام والسنين، وخير من رثاه بأفصح عبارة يوم وفاته والدته التي خاطبته وهو مسجى في قبره:” سأضع سيفك في كفنك، وسيعرفك الله، فأنت سيفه”(6).

وحكم مصر الملك العادل الكبير سيف الإسلام أبو الفتح محمد أبو بكر بن نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان (1145ـ 1218م)، وكان نائب السلطنة بمصر عن أخيه صلاح الدين أثناء غيبته في الشام، وتنقل في الولايات إلى أن استقل بملك الديار المصرية (سنة 596 ) وضم إليها الديار الشامية، وأرمينية وبلاد اليمن حتى أصبح سلطان الدولة الأيوبية سنة 596هـ/1199م. ولما صفا له جو الملك قسم البلاد بين أولاده، وعاش أرغد العيش. ملكا ً عظيماً حنكته التجارب، حسن السيرة محباً للعلماء. توفي بقرية عالقين في حوران سنة 615هـ/1218م، وهو يجهز العساكر لقتال الإفرنج، ودفن في مدرسته المعروفة إلى اليوم بالعادلية وهي المتخذة أخيرا ً دارا ً للمجمع العلمي” بدمشق. وفي أيامه زال أمر الإسماعيلية من ديار مصر، بعد أن قبض على كثير منهم، ولم يجسر أحد بعدها أن يتظاهر بمذهبهم(7).

ومن سلاطين الأيوبيين في مصر الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن الملك العادل محمد أبي بكر ابن أيوب، كان عارفاً بالأدب، له شعر، وسمع الحديث ورواه. ولد بمصر سنة 576هـ/1180م، أعطاه أبوه الديار المصرية، فتولاّها مستقلا بعد وفاته سنة 615هـ ، وحسنت سياسته فيها. واتجه إلى توسيع نظام حكمه، فكانت الخطبة باسمه، ودعي له بلقب ” مالك مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها…الخ”، وله موقع مشهور في الجهاد بدمياط ، إذ قاوم الحملة الصليبية الخامسة التي احتلتها، وأعادها سنة 630هـ ، وعقد اتفاقية مع فردريك الثاني الإمبراطور الجرماني. وكان حازماً عفيفا عن الدماء، مهيبا، كان فيه جبروت، ومن آثاره بمصر المدرسة” الكاملية “.

كان ملكا جليلا مهابا، حازما حسن السيرة، يباشر أمور مملكته بنفسه، وأنفق الأموال الكثيرة، وكان يحب أهل العلم ويجالسهم، ويؤثر العدل، وكانت الطرق آمنة في أيامه، مات بدمشق بعد شهرين من فتحها سنة 635هـ/ 1238م(8).

ومن كبار الملوك الأيوبيين الذين حكموا مصر الملك الصالح نجم الدين أبو الفتوح أيوب بن السلطان الملك الكامل: وهو زوج شجرة الدر.

ولد ونشأ بالقاهرة 1206. سلطنه أبوه على آمد وحران وسنجار وحصن كيفا. وملك دمشق، ثم ملك الديار المصرية ودانت له الممالك. وقد ضبط الدولة بحزم، وأعاد وحدة الدولة الأيوبية من جديد سنة 1245م. واستعان بالأتراك الخوارزميين، فاستعاد القدس من الصليبين، وفي أواخر أيامه أغار الإفرنج على دمياط واحتلوها وأصاب البلاد ضيق شديد، وكان الصالح غائباً في دمشق، فقدم ونزل أمام الفرنج وهو مريض بالسلّ فمات بناحية المنصورة 1249م، ونقل إلى القاهرة.

كان نجم الدين أيوب سياسيا بارعاً، وكان يطمح إلى إنشاء دولة كدولة صلاح الدين والكامل تتألف من مصر وفلسطين والشام وبلاد ما بين النهرين، وكانت قصوره في شبه جزيرة الروضة بالنيل وفي الكبش، ومدرسته، ذائعة الصيت في تلك الأيام(9).

وهناك الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل: ثامن سلاطين الدولة الأيوبية بمصر وآخرهم، كانت إقامته في حصن كيفا (بديار بكر) نائباً عن أبيه. ولما توفي أبوه سنة 1249م كتمت ( شجرة الدر) خبر موته، فاستدعته، فسار إلى القاهرة، والحرب ناشبة بين المصريين والفرنسيين على أبواب ( المنصورة) فلبس خلعة السلطان بعد أربعة أشهر من وفاة أبيه، وقاتل الفرنج، وهزمهم واسترد دمياط، ففرح الناس وتيمنوا بوجهه.

ثم تنكر لشجرة الدر، فحرضت عليه المماليك البحرية فقتلوه في” فارسكور” 1250م، وبمقتله انقرضت دولة بني أيوب بمصر ومدتها 86 سنة (10).

مشاركة عبر :

معلومات اخرى

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب   يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب…

المزيد

“كردستان” أول صحيفة كردية تصدر في مصر

“كردستان” أول صحيفة كردية تصدر في مصر نتيجة للتفاعل والتواصل المصري – الكردي أصدر الأمراء البدرخانيون المهاجرون من كردستان تركيا بعد ثوراتهم العديدة إلى مصر…

المزيد

التحالفات الكردية- المصرية خلال القرن التاسع عشر

التحالفات الكردية- المصرية خلال القرن التاسع عشر أولاً: تحالف الأمير بدرخان مع إبراهيم باشا المصري استطاع أمير بوتان بدرخان بن عبدال خان الاستقلال بإمارته عن…

المزيد