قَـدِم «الأيوبيون» أنصار السنة – كما أسماهم بعض المؤرخين – إلى اليمن «شوال 569هـ / مايو 1174م»، بِقيادة الأخ الأكبر لصلاح الدين الأيوبي، شمس الدولة توران شاه بن أيوب، وبطلب من قاسم بن غانم بن وهاس، حاكم «المخلاف السليماني – جيزان»، المهزوم حينها من قبل عبدالنبي بن علي بن مهدي.
قضى توران شاه في أقل من عام على جميع الدويلات اليمنية الـمُتصارعة ، «بنو مهدي في زبيد – خوارج»، و«بنو زريع في عدن – إسماعلية»، و«بنو حاتم في صنعاء – إسماعلية» « »، واستبقى «آل وهاس» على إقليمهم الشمالي.
كان الملك «الأيوبي» قد سيطر بعد شهر من وصوله على مدينة «عدينة – تعز» دون حرب، فأنشد «الرعيني» قائدها المـُستسلم قائلاً:
تَعزُ علينا يا عدينة جنة … نُفارقها قَسراً وأدمُعنا تَجري
ظن توران شاه من صدر البيت أنّ تعز هو اسم المدينة، فأطلق عليها ذات التسمية، ومن لحظتها صار مُتداولاً بين ألسنة العامة، وكتب المؤرخين، ولطيب هوائها؛ نصحه الأطباء – بعد أن طلب منهم اختيار المكان المناسب لإقامته – بالمكوث فيها، فاختطها، وآثر فيها المقام « ».
بعد عامين من مقدمه، قرر توران شاه العودة إلى بلاد الشام « »، وأناب عنه أربعة من رجالاته، استمروا يبعثون له الأموال حتى وفاته في الاسكندرية «576هـ»، اختلفوا بعد ذلك، واستقل كل نائب بما لديه من أعمال، وحاولوا الخروج عن طاعة «الدولة الأيوبية»، ولم تعد اليمن لأحضان تلك الدولة؛ إلا بِمقدم الشخصية «الأيوبية» الأقوى، الأخ الأصغر لصلاح الدين، سيف الإسلام طغتكين «رمضان 579هـ / ديسمبر 1183م».
ابتنى طغتكين مدينتي تعز والجند، واتخذهما مقراً لحكمه، وبه أشاد كثيرٌ من المؤرخين، لينجح بعد سبع سنوات من مقدمه في توحيد اليمن للمرة الثالثة في تاريخها « »، بعد حروب وخطوب مع معارضيه، وما أكثرهم، وكان للانتصارات المتسارعة التي حققها صلاح الدين على «الصليبيين»، وتحرير بيت المقدس «583هـ / 1187م»؛ الأثر الأكبر في ذلك.
تصدر المعارضة «الزيدية» حينها الأمير «الهادوي» محمد بن مفضل، المعروف بـ «العفيف»، أعلن نفسه مُحتسباً، وتلقب بـ «المنتصر بالله»، وإليه ينسب «بيت الوزير»، وهي أسرة معروفة حوت عدداً كبيراً من الأعلام، جعل من حصن «بيت بوس» مقراً له، واستمر بمحاربة «الأيوبيين» ردحاً من الزمن، مُسنوداً بجماعة «الـمُطرّفية»، إلا أنَّه لم يظفر بنصر.
وكان يحيى بن «المـُـتوكل» أحمد بن سليمان قد أعلن عقب وفاة والده من صعدة نفسه إماماً، رغم أنَّه لم يستوفِ شروطها، تلقب بـ «المعتز بالله»، حارب «الأيوبيين»، وقيل هادنهم، فجعلوه حاكماً باسمهم على ذات المنطقة، واستمر على ولائه لهم حتى آخر لحظة من عمره.
ومن براقش أعلن عبدالله بن حمزة « » نفسه مُحتسباً «583هـ»، وعمره آنذاك «22» عاماً، وقيل أنَّه حاول قبل ذلك أن يستنهض الأميرين «الهادويين» يحيى ومحمد ابني أحمد بن يحيى، الشهيرين بـ «شيخي آل الرسول» لتولي الأمر، ولم يورد المؤرخون ردهما عليه، إلا أنهم أوردوا قصيدة طويلة له، خاطب بها الأمير شمس الدين يحيى بن محمد، تؤكد ما ذكرناه، جاء فيها:
يا ابـن علـي بـن أبي طالب … قم فانصر الحـق علـى الباطـل
فأنــت لا أنطقهــا كاذبـاً … عالم أهـل البيـت والعامـل
وادع فعنـدي أنهــا دعــوة … كاملــة في رجــل كامــل
وقال فيه وفي أخيه «بدر الدين» محمد:
يا يحيى يا ابن إمام الناس كلهم … أنت الذي نوره تجلى به الظلـم
فأنت صفوة أهل البيـت كلهم … وصنوك الفاضل العلامـة العلـم
أنتم سنام بني الزهـراء فاطمـة … والرأس إذ في بنيها الرأس والقـدم
تحدث بعض المؤرخين عن خلاف نشب حينها بين الأميرين و«ابن حمزة»، خاصةً عندما عزم الأخير على التوجه إلى صعدة، معقل «آل الهادي» الحصين، التقاه الأميران بجيش كبير، ثم ما لبثا أن أذعنا لسلطته، التي هي الأخرى لم تدم في جولتها الأولى طويلاً؛ تخلت القبائل بعد عامين عن نصرته؛ خوفاً من قوة «الأيوبيين» وسطوتهم، وبعد أن قتل الأخيرون أخاه الأكبر محمد في إحدى توغلاتهم «585هـ».
توفي الملك طغتكين في الجند «23 شوال 593هـ / سبتمبر 1197م»، ليُعلن في الشهر التالي عبدالله بن حمزة من «دار معين – صعدة» نفسه إماماً، مُتلقباً بـ «المنصور»، كان الأميران «الهادويان» يحيى ومحمد هذه المرة من أبرز أعوانه، إلا أن المودة بينهم لم تستمر طويلاً، ولم يذكر المؤرخون سبباً لذلك الخلاف.
قبل حلول العام «594هـ»، توجه «ابن حمزة» إلى ثُلا، فوفد إليه عدد من أنصار «الزيدية» مُبايعين، إلا أنَّ «الأيوبيين» أحاطوا بقواته المتحفزة، وقتلوا قائد جيشه الأمير محمد بن علي، وأجبروه ومن معه على التراجع إلى صعدة، ومنها بعث عماله إلى المناطق القريبة، مُكتفياً لبعض الوقت بِحكمها.
ساهمت الخلافات «الأيوبية – الأيوبية» بداية العام التالي؛ في تمدد «ابن حمزة» حتى صنعاء وذمار، بمساعدة كبيرة من قبل الأمير حكو بن محمد، وبعض القادة «الأيوبيين» المتمردين، وهي سيطرة لم تدم سوى بضعة أشهر؛ وكانت سبباً لأن يُوحد «الأيوبيون» صفوفهم، تحت راية أسوأ ملوكهم، إسماعيل بن طغتكين « »، الذي استقل بحكم اليمن، وتلقب بـ «المـُـعز لدين الله».
أثناء دخوله الأول مدينة صنعاء، قال «ابن حمزة»:
فجاءت آزال جمع الله شملها … وأسدى إليها الصالحات وأنعما
فجادوا بفتح الباب وابتهجوا بنا … وقالوا لنا أهلا وسهلاً ومغنما
وقال أيضاً:
وصارت لنا صنعاء داراً وهجرة … وجاء لنا فتح بذاك سريع
وقدنا إلى شطي ذمار فوارساً … عليها من الصبر الكريم دروع
ففي اليمن الميمون ملك مسيبٌ … وجند لأمر الآمرين مطيع
وفي ذمار، استعد «ابن حمزة» لملاقاة «الأيوبيين»، وقد جمع – كما ذكر «ابن كثير» – نحو «12,000» فارس، ومن الرجالة جمعاً كثيراً، فأرسل الله صاعقة نزلت عليهم، ولم يبق منهم سوى طائفة، غشيهم «المعز»، وقتل منهم نحو «6,000»، وكان الأمير حكو من جملة القتلى، وهي رواية لم يشر إليها أحد من المؤرخين اليمنيين.
دخل «المعز» إسماعيل صنعاء مُنتصراً، وانسحب «المنصور» عبدالله بن حمزة إلى خمر مُنكسراً، وهناك وفي منتصف العام «595هـ» جاءه يحيى بن «المـُـتوكل» أحمد بن سليمان خاضعاً مُبايعاً، وفيه قال علي بن نشوان الحميري:
دلتك همتك الشريفة للتقى … ولمرتقى في المجد أعلى مرتقى
ودعتك أنساب زكت علوية … نبوية للعز في دار البقا
صدَّقت حسن الظن فيك ولم تزل … أبداً لراجي الخير فيك مصدِّقا
سبق لـ يحيى أن أعلن تمرده على «ابن حمزة»، وتحصن في «مبين – حجة»، طلب منه – هذه المرة – ولاية صعدة، المدينة التي سبق وأن ولاه طغكتين إياها، فأعطيها، ثم ما لبث أن جدد من «بيت مساك – الجوف» تمرده، وقيل دعوته، ثم يمم صوب صنعاء خطاه.
بعد أن حظي بدعم «الأيوبيين»، عاد يحيى أدراجه مُنتشياً، آخذاً في نشر الدعوة لإسماعيل بن طغكتين، جاعلاً من هجرة «قاعة – عيال يزيد» مقراً له، ومنها راسل «ابن حمزة»، وسبه سباً فاحشاً، ودعاه بـــ «مسيلمة الكذاب»، لتدور على تخوم ذات المنطقة معركتان، كانت الأخيرة في «جنات – عمران»، انتهت بأسره، حُبس في خمر، وفي مسجد ذات المدينة قام يحيى بن حمزة بقتله خنقاً بعمامة كان يرتديها.
تَعمق بعد ذلك الخِلاف بين «الحمزات» و«آل الهادي»، وانضم بعض الأمراء «الهادويين» كـعلي بن يحيى، وسليمان بن محمد – فيما بعد – لصفِ «الأيوبيين»، وفي شهارة وقف أحفاد القاسم العياني أيضاً ضد الإمام «الحمزي»، وتصدر جعفر بن القاسم تلك المعارضة، وفي «المخلاف السليماني» ناصر «آل وهاس» – وهم سنيون – «الأيوبيين»، وحاربوا معهم «ابن حمزة» في أكثر من موقعة.
وقد دعاهم «ابن حمزة» أكثر من مرة لنصرته، وقال في إحدى قصائده:
تعالوا نقاتل عن مقام أبيكم … وندفع عنه بالقنا وظبا الهند
فما قمت إلا ثائراً بدمائكم … فإن لم تعينوني ثأرت به وحدي
وفي المقابل، كان السلطان «الإسماعيلي» علي بن حاتم اليامي من أبرز مُناصري «ابن حمزة»، كانت بينهما مُصاهرة، وقيل أنَّه أول من حفزه ليُعلن نفسه إماماً، وأن يتصدر مشهد محاربة «الأيوبيين»، وأعطاه لأجل ذلك بعض الحصون، ليعتزل «اليامي» الحرب؛ وذلك بعد أن رفض «الحمزي» تسليمه صنعاء، قبل أن يخرجهم «المعز» إسماعيل منها، استقر في حصنه «ذي ذمرمر – الغراس»، وفيه كانت وفاته «597هـ».
عمل «ابن حمزة» على تأسيس جيش نظامي، إلا أن محاولته باءت بالفشل، كما أنَّه لم يقد معظم معاركه بنفسه؛ بل كان يعتمد على أقربائه، ولم يستقر في منطقة بعينها؛ بل ظل مُتنقلاً ما بين «الجوف، وصعدة، وحوث، وحجة، وشبام كوكبان، وثلا، وخمر، وبراقش»، إما ساعياً لتثبيت سلطانه، أو هارباً من مطاردة «الأيوبيين» له.
أثناء مكوثه في براقش – مُنطلق دعوته – عزم «ابن حمزة» على ضم مأرب وبيحان لسلطته، وقد أرسل لذات الغرض جيشاً بقيادة الأمير سليمان بن حمزة، وقعت بين الأخير وبين أهل تلك البلاد حروب كثيرة، كانت الدائرة فيها على الأخيرين، وحين امتنعوا عن الأذان بـ «حي على خير العمل»، كتب «ابن حمزة» إليهم عدة رسائل، هددهم فيها بالعدول عن ذلك.
أذعن أهل مأرب لتهديداته، فارتجز قائلاً:
إذا بدت مثل السعالى من دغل … وطلعت فوق الرماح كالشعل
وأيقنوا أن الحِمام قد نزل … نادى مُناديهم على خير العمل
أما أهل بيحان فقد أصروا على الامتناع، وفي ذلك قال صاحب «أنباء الزمن»: «نهض الإمام بنفسه إلى أهل بيحان، بعد أن كرر الكتب إليهم يأمرهم بلزوم الطاعة، وإقامة الجمعة والجماعة، والأذان بحي على خير العمل، فلم يمتثلوا، واجتمعوا للمحاربة، ففرق الله شملهم، وأمر الإمام بقطع نخيلهم، وزروعهم، وعاد إلى براقش ظافراً».
اغتيل «المعز» إسماعيل بن طغتكين «18 رجب 598هـ»، فاضطر الأمراء الأكراد إلى تنصيب أخيه الأصغر أيوب – الذي تلقب بـ «الناصر» – خلفاً له، وعينوا الأمير سيف الدين «سنقر» – مملوك والده – أتابكاً، اضطربت حينها أمور البلاد عليهم، ليتقوى في المقابل أمر «ابن حمزة».
سيطر «ابن حمزة» بسرعة خاطفة على أغلب مناطق «اليمن الأعلى»، بمساعدة كبيرة من قبل بعض قبائل «همدان»، الذين قال فيهم:
من الصيد من فرعي بكيل وحاشد … مقاول حرب حين تدعى مقاوله
هم نصروا آل النبي محمد … وراح بهم عصر الضلال وباطله
استجمع «الأيوبيون» بعد ذلك قواهم، واستطاع الأمير «سنقر» أن يلَّم شتاتهم، استعادوا في ذات العام ذمار ثم صنعاء، وصولاً إلى «البون الأعلى»، صالحوا «بني حاتم»، واعترفوا بسلطات «ابن حمزة» – بعد معارك محدودة – على «الظاهران، والجوف، وصعدة»، على أن يدفع «مائة جمل محملة حديداً من صعدة، وعشرين رأساً من الخيل»، وعقد الصلح بينهما على ذلك، إلا أنَّه لم يدم طويلاً.
تجددت المواجهات، وفي قرية «الصف» – مشرق نهم – دارت معركة كبرى «8 شعبان 600هـ / 12 إبريل 1204م»، هزمت فيها قوات «ابن حمزة»، وقُتل فيها خلق كثير من أنصاره، على رأسهم شقيقه إبراهيم قائد جيشه، احتز «الأيوبيون» رأس الأخير، وأرسلوه إلى تعز، حيث يقطن ملكهم الصغير.
كان «ابن حمزة» حينها في «شُوابة – ذيبين»، ومن هناك حرض أنصاره على الثأر بقصيدة طويلة، جاء فيها:
لنعم الفتى ودعت يوم شُوابةٍ … وداعاً تلاقينا له صيحةُ الحشرِ
فيا راكباً وجناء حرفا شِمِلةٌ … أموناً على قطع المفاوز والقفرِ
تحمل إلى قحطان عني رسالة … وعدنان فتيان الصباح ذوي الفخرِ
استمرت المواجهات بين «الحمزات» و«الأيوبيين»، وهي بِمُجملها معارك كر وفر، وصل الأخيرون خلالها إلى «شبام كوكبان، وحجة، وحوث، وخمر، وبراقش، وصعدة»، وأخربوا في بعضها دوراً عامرة لـ «ابن حمزة»، إلا أنَّ الأخير تمكّن من استعادة أغلب تلك المناطق، لتتجدد المصالحة مطلع العام «602هـ».
نُقضت المصالحة، وقام «الحمزات» في العام التالي بعدة عمليات دفاعية وهجومية، توجهوا صوب تهامة، وعاثوا في منطقة «المهجم» – على ضفاف وادي سردد – قتلاً، ونهباً، وحرقاً، وخراباً، وامتدت أيديهم إلى الأطفال والنساء، سبوا العشرات، وعادوا متباهيين بما كسبوا، ليصالحوا «الأيوبيين» مطلع العام «605هـ»، على نفس شروط المصالحة الأولى، أما القبائل الشمالية فقد تأرجحت موالاتها بين الجانبين، ولم تستقر كعادتها على حال.
توفي «ابن حمزة» بمدينة كوكبان «12 محرم 614هـ»، عن «52» عاماً، بعد أن نقض صلحه مع الملك «المسعود»، وقبل أن يحقق طموحاته التوسعية، فخلفه ولده الشاب عز الدين محمد، والذي كان حينها في جبل «كنن – خولان العالية» يقود إحدى معاركه الخاسرة مع «الأيوبيين»، اختبره بعض فقهاء مذهبه في علمه، فوجدوه ضعيفاً ناقصاً عن رتبة الإمامة، فلم يخطبوا له، إلا أنّه أعلن نفسه مُحتسباً، وتلقب بــ «الناصر».
تنفس «الأيوبيون» بعد وفاة «ابن حمزة» الصعداء، انقضوا بسرعة خاطفة على أغلب مدن وحصون «اليمن الأعلى»، ساهمت الخلافات «الزيدية – الزيدية» في تمددهم، فيما بقي «الحمزات» مُسيطرين على بعض الحصون، صالحهم الملك «المسعود» مرتين، ونجح في استمالة قريبهم الأمير سليمان بن موسى «617هـ/ 1220م»، فكانت نهاية الأخير قتيلاً على أيديهم.
بعد تسع سنوات من الانكماش، قاد عز الدين محمد «1,700» من مُقاتليه – وقيل أكثر – لاجتياح صنعاء، وفي «عَصر» هزمه «الأيوبيون» بقيادة عمر بن علي رسول – مؤسس «الدولة الرسولية» كما سيأتي – هزيمة نكراء «26 رجب623هـ / يوليو 1226»، وهي معركة «لم يسمع بمثلها فيما مضى»، حد توصيف صاحب «السمط الغالي»، وأضاف ذات المؤرخ: «فيقال أن الذين أمكن جزّ رؤوسهم ألف أو يزيدون.. وانهزم الأشراف لا يلوي أحد منهم على أحد».
أصيب عز الدين محمد في تلك المعركة بإحدى عينيه، ولم يعد معه من مقاتليه سوى «40» فرداً، جلهم من أسرته، انسحب بهم إلى ثلا، وفي حوث وقبل أن ينتهي ذلك العام كانت وفاته، عن «32» عاماً، وقيل مات متأثراً بجراحه.
وقف «بنو حاتم» إلى جانب «الأيوبيين» في معاركهم الأخيرة، وسبق لـ علوان بن بشر بن حاتم اليامي أن أرسل إلى عز الدين محمد بعد تلك المعركة ناصحاً ومُتشفياً:
وكيف تعدُّ هذا القول نصحاً … وقد صدعت له صمُّ السِلاّم
فوا عجباً تدافع عن حمانا … وتنُسبنا إلى فعل اللئام
وإن كانوا لعمر أبيك أسداً … بني لدى الوقائع بالصُّرام
استعصت صعدة قبل ذلك على «الأيوبيين»، ومنها أعلن يحيى بن المحسن بن محفوظ « » نفسه إماماً «صفر 614هـ / مايو 1217»، مُسنوداً بقبائلها، ومشايخها، وعلمائها، وعدد من بني عمومته، وهو أحد تلاميذ محمد بن نشوان الحميري، وأحد أحفاد «الهادي» يحيى بن الحسين، وإليه ينسب «آل الشامي» و«آل الأخفش».
قال مُعتداً بنفسه:
أنا كنز الله في الأرض وما … قلت في دعواي هذا كذبا
وأمين الله في الخلق فهل … بعد هذا ابتغي لي مكسبا
تلقب الإمام الجديد بـ «المعتضد بالله»، عارضته غالبية قبائل «همدان»، وناصرته قبائل «خولان الشام»، أمدته الأخيرة بالمال والرجال، خاض بهم حروبه، وحقق بعض الانتصارات، وقال فيهم:
وناد بخولان ابن عمرو إمامهم … فلبت سراعاً نحوه صيد خولان
قبائل حلت في قتام ويسنم … وبين فقيع قد أقاموا وقيوان
مآثرهم في الجوف تحكي وحجة … وفي شظب تروى وفي رأس يونان
وهم فتحوا مقراً معاً وسحولها … وهم عسكر يزهو بهم كل سلطان
رغم أنَّ عبدالله بن حمزة قال بأنَّه لا يعلم في دار الإسلام من هو أعلم من يحيى بن المحسن، وأنَّ معه علم أربعة أئمة، إلا أنَّ «الحمزات» بقيادة ولده عز الدين محمد حاربوه، ألبوا عليه قبائل «همدان»، وأخذوا منه مدينة صعدة عنوة، وقتلوا في «الجبجب» علي بن يحيى بن أحمد بن سليمان، أحد أبرز أنصاره.
طالب حينها «المعتضد» يحيى النصرة من الأمير أحمد بن القاسم آل هاس حاكم «المخلاف السليماني»، وخاطبه في إحدى أشعاره قائلاً:
فعارضها أبنا حمزة عنوة … ومالوا إلى الشتوي جهلاً وقلدوا
أترضى بهذا يا سلالة قاسم … وكشف حريم جدهن محمد
وقتل أمير من بني الحسن الرضى … إمام الهدى جد له ليس يجحد
هم حسدوا إرثنا من جدودنا … ضلالاً وأرباب الرئاسة تحسد
ثلاثون منا من إمام نعده … ومُحتسب هل فيهم ذاك يوجد
تنقل «المعتضد» يحيى ما بين «خولان الشام، والأهنوم، وشهارة»، وفي الأخيرة حظي بمساندة أحفاد القاسم العياني، شاركوه بعض حروبه، حقق بهم بعض الانتصارات، فيما كانت معاركه في جولتها الثانية مع «الحمزات» سجالاً، حاول استعادة مدينة صعدة منهم أكثر من مرة، ليُحصر بعد هزيمته في ضواحيها.
كان «المعتضد» يحيى بشهادة كثير من المؤرخين سيء الحظ، تفرق بعد ثلاث سنوات من الصراع أصحابه عنه، وكذلك بنو عمومته، فقال فيهم:
يا شيعة الهادي إلى الحق هل لكم … إذا سأل الله العباد جواب
رجوتكم أن تنصروا وتعاضدوا … ونصركم لي غيبة وسباب
أيعجزكم حمل المواضي لنصرتي … فأثقل من سيف عصا وجراب
وقد كان في غربان يوم … وفي الجبجب المعمور فهو خراب
استقر «المعتضد» يحيى بعد ذلك في «خولان الشام»، وتفرغ للتأليف والعبادة، وقيل أنَّه اعتزل الأمر، لتعود بتنحيه «الإمامة الزيدية» إلى حالة الضعف والانكماش، وفي منطقة «ساقين» كانت وفاته «رجب 636هـ / 1239م»، وذلك بعد ثمان سنوات من ميلاد «الدولة الرسولية»
كان عهد السلطان الرسولي الخامس «المجاهد» علي « » بن «المؤيد» داؤود ، الذي تَولى الحكم أواخر العام «721هـ / 1321م» مَليئاً بالتمردات الصادمة، وكان أقساها تمرد عدد من أبناء عمومته، ثم ثلاثة من أولاده عليه، ليتشجع بعض مشايخ الدولة، ورجالاتها الفاعلين على رفع راية العصيان، استغل «الإماميون» ذلك، دعموا بعض الأمراء المـُـتمردين، وبدأوا يخططون للتوسع على حساب الدولة المـُـنهكة أكثر فأكثر.
وقد صور صاحب «مسالك الأبصار» ذلك العصر بقوله: «واليمن مفرق الملك، بعضه بيد الشرفاء المطيعين لإمام الزيديّة لا يطيعون إلاّ لأئمتهم القائمين منهم إمام بعد إمام، وقاعدة مملكته صنعاء، وبعضه بيد أكراد عصاة على ملوك اليمن، وبعضه بأيدي عرب لا تطيع».
قويت في المـُـقابل شوكة «المهدي» محمد بن «المـُـتوكل» المـُطهر، وذلك بعد «22» عاماً من إمامته، تحول من الدفاع إلى الهجوم، حارب «الإسماعيليين»، وخرَّب مَنازلهم، واستولى على صنعاء «شعبان 723هـ / أغسطس 1323م»، وأنهى في العام التالي سيطرة «الرسوليين» على معظم مناطق «اليمن الأعلى»، وتوجه بداية العام «726هـ» إلى عدن بآلاف المقاتلين لمـُـناصرة أحد الأمراء المـُـتمردين.
لم يَستمر تواجد «المهدي» محمد « » المسنود من قبل «الأكراد» في عدن كثيراً، غادرها بعد عدة أيام إلى ماوية، ومن الأخيرة عاد مُنكسراً دون أن يظفر بطائل، ليراسل السلطان «المملوكي» محمد بن قلاوون طالباً نصرته ضد «المجاهد» علي، مُستغلاً الخلاف بينهما، ممنياً «سلطان مصر» بالكثير من الغنائم، لم يحقق الأخير له طلبه، واكتفى بالرد عليه قائلاً: «إنَّه لا رغبة لنا في السلب، وأنَّ النصرة تكون لله خالصة».
استقر «المهدي» محمد بعد ذلك في حصن «ذي مرمر»، وفيه كانت وفاته «22 ذو الحجة 728هـ»، عن «64» عاماً، ودفن في صنعاء، ليعلن من بلاد «شظب – السودة» علي بن صلاح بن «المهدي» إبراهيم بن تاج الدين نفسه إماماً، مُتلقباً بـ «الناصر»، وهو كسلفه من نسل «الهادي» يحيى، تأججت بدعوته نار المـُـنازعات، وثارت حوله الاعتراضات، ولم يطل بقاؤه كثيراً.
سيطر «الحمزات» في تلك الأثناء على مدينة صنعاء، ومن ضواحي الأخيرة، وبدعم منهم، أعلن يحيى بن حمزة بن علي « » نفسه إماماً «2 رجب 729هـ»، تلقب بـــ «المؤيد»، وهو أول «حسيني» يتولى «الإمامة الزيدية» في اليمن، قدم جده وأبوه من العراق مع الإمام يحيى السراجي، وهذا الأخير جده لأمه.
كان «المؤيد» يحيى بن حمزة عالماً غزير التصنيف، كثير الأنصار، وصلت دعوته إلى «بلاد الظاهر، وصعدة، والشرف»، وفي حصن «هران – ذمار» آثر الاستقرار، وأقسم ذات نهار أمام محبيه: أنَّه «ما يعلم من أمير المؤمنين – يقصد علي بن أبي طالب – إلى وقته من هو أعلم منه».
ومن «حرف سفيان» أعلن أحمد بن علي الفتحي – من نسل أبي الفتح الديلمي – نفسه إماماً، مُتلقباً بـ «المـُـتوكل»، وعارضه في ذات الوقت المـُطهر بن «المهدي» محمد، مُتلقباً بـ «الواثق»، كان الاثنان ضعيفين، قليلي الأنصار؛ وقيل أنَّهما تنحيا بسبب ذلك لـ «المؤيد» يحيي، ومن أشعار «الواثق» التي توضح منهجه العُنصري، قوله:
لا ترتضي غير آل المصطفى وزرا… فالآل حق وغـير الآل كـالآل « »
فآيـة الـود والـتطهير أنزلتـا… فيهم كما قد رووا من غيرِ إشكال
وهم سفينة نوح كل من حملـت … أنجته من أزل أهـواء وأهـوال
والمصطفى قال إنَّ العلم في عقبي … فاطلبه ثَمَّ وخل الناصب القـالي
رغم انشغال «الرسوليين» خلال تلك الحقبة بصراعتهم البينية، وجه «المجاهد» علي حملة عَسكرية قوامها «11,400» مقاتل مسنودة بـ «المنجنيق» للسيطرة على ذمار « ذي الحجة 738هـ»، نجحوا في ذلك، واقتحموا حصن «هران» معقل «المؤيد» يحيى، واستمر زين الدين قراجا قائد تلك الحملة والياً على تلك الجهة لأقل من عام، تمرد عليه «الأكراد»، وعادت ذمار لحكم «الإمامة الزيدية» من جديد.
كان «المؤيد» يحيى مُسالماً للغاية، لم يُسجل عليه المؤرخون أي أعمال عدائية، عدا محاربته بداية حكمه لــ «الاسماعليين»، وذكروا أنَّه تفرَّغ بعد ذلك للتأليف والعبادة، وأنَّه كان إمام علم أكثر مما هو إمام قتال وسياسة، توفي في «29 رمضان 749هـ»، عن «82» عاماً، ودفن في حصن «هران»، وعلى ظهر قبته كتب «الواثق» المـُطهر قصيدة طويلة، جاء فيها:
نـور النبـوة والهـدى المـُـتهلل … أرسـى كلاكلـه ولم يتحــول
في قبةٍ نصبت على خير الـورى … قدراً وأشرف في الفخار وأفـضل
يا زائراً يرجو النجاة من الـردى … عن قـبره وضـريحه لا تعـدل
شرفت ذمار بقبر يحيى مثـل مـا … شرفت مدينة يثـرب بالمرسـل
فليهن أهل ذمار حـسن جـواره … فيما مضى وكذاك في المـُـستقبل
جدد «الواثق» المـُطهر بداية العام التالي دعوته، وذلك بالتزامن مع إعلان علي بن محمد بن علي من ثلا نفسه إماماً، تلقب الأخير بـ «المهدي»، وهو من نسل «الهادي» يحيى، كان قوياً عكس أسلافه، عارضه «الحمزات»، وناصره كثيرون.
تنحى له «الواثق» المـُطهر بعد أشهر من دعوته، وقال في خطبة تنحيه: «فأبى الله أن يجعل البسط والقبض، والإبـرام والـنقض، والرفع والخفض، وإقامة السنة والفرض، إلا في مستودع سره، وترجمان ذكره، وولي نهيه وأمره، ومنفذ تهديده وزجره، علم الشرف الأطول، وطراز العترة الأهول، وصفوة المصطفى، وسبط الأئمة الخلفاء، الخليفة الولي، المهدي لدين الملك العلي، علي بـن محمد بن علي صلوات الله عليه وسلامه».
كعادة أي إمام «زيدي»، طلب «المهدي» علي من أنصاره بذل أنفسهم وأموالهم لنصرته، وحين رأى من أهالي صعدة فتوراً، وعدم استجابة، طلب من القاضي جمال الدين علي بن محمد الدواري أن يكتب إليهم قصيدة شعرية، يحرضهم فيها على الجهاد، فقال الأخير:
تخاذل أهل الدين عن نصر دينهم … وأجمع أهل المنكرات على النكر
فأين حماة الدين من آل أحمد … وشيعتهم أهل الفضائل والذكر
وأين ليوث الحرب من آل حيدر … وأبناء قحطان الجحاجحة الزهر
ولإكمال المشهد أترككم مع ما قاله صاحب «مأثر الأبرار»: «فبكى عند سماعها – يقصد القصيدة – جماعة من القوم حتى اخضلت لحاهم، وتعاقدوا في ذلك الوقت، وتعاهدوا عنده على بذل الأموال والأرواح بين أيدي إمامهم.. وجعلوا ما يحتاجون إليه من ذلك على مقاسم، وألزموا أنفسهم في ذلك مائة ألف درهم».
بدأ «المهدي» علي عهده بمحاربة «الحمزات»، واستئصال شأفتهم، وأجبر معظمهم على الهروب إلى «اليمن الأسفل»، كما نكل بـ «الإسماعليين»، وخرَّب مناطقهم، وذكر مؤرخو «الزيدية» أنَّه «أزال سبع عشرة دولة ظالمة»، حتى دانت له غالبية مناطق «اليمن الأعلى» عدا صنعاء، وأنَّه جعل من ذمار مقراً لحكمه؛ بسبب مصاهرته لـ «أكرادها»، وليسهل له التمدد جنوباً وغرباً على حساب «الدولة الرسولية» (3).
وبالعودة إلى أخبار «الدولة الرسولية»، فقد تولى السلطان «الأفضل» عباس « » بن «المجاهد» علي، زمامها وذلك بعد وفاة أبيه في عدن «25 جمادي الأولى 764هـ / مارس 1363م»، رغم وجود من هو أكبر منه سناً، ورث عن سلفه تلك الأوضاع المضطربة، وانفتح له – حد توصيف الخزرجي – في كل ناحية باب فساد.
لم يستسلم السلطان «الرسولي» الجديد لليأس، اهتم ببناء الجيش، وعمل بكل ما أوتي من عزيمة وصبر وقوة على تهدئة الأوضاع، أعاد السيطرة خلال الثلاث السنوات الأولى من حكمه على كثير من المناطق التهامية، التي سبق وأن سيطر عليها قبل عامين الأمير المـُــتمرد محمد بن ميكائيل، لتستعيد الدولة بذلك بعضاً من عافيتها.
وذكر المؤرخ الخزرجي أنَّ «الأكراد» وبعض الأمراء «الإماميين» ــ بشقيهم «الحمزي» و«الهادوي» ــــ ساندوا «السلطان الرسولي» في حربه تلك، ولم يشر إلى وجود تحالف بينه وبين «الواثق» محمد ضد «المهدي» علي، كما ذكر بعض المؤرخين، وللإمام المتنحي قصائد كثيرة تؤكد طبيعة علاقته مع الجانبين، وتثبت أنَّ تحالفه الأخير كان وقتياً، انتهى بانتهاء ذلك القتال.
قال «الواثق» محمد في إحدى قصائده:
فلما استوى العباس في الملك وانجلت … دياجير للنظار في جنحها أعشى
دعانا فلبينا نداه بعصبة … ترُش الثرى من ضربها رشا
بهاليل من أبناء فاطمة التي … قضى فضلها في الخلق من خلق العرشا
وفي المقابل، كانت علاقة «المهدي» علي مع «الرسوليين» شديدة التوتر، تربص بـ «الأفضل» عباس وبدولته شراً، ساند «ابن ميكائيل»، وعمل على دعم «المـُظفر» يحيى ضد أخيه السلطان، وأمد الأمير المـُـتمرد بالمقاتلين الأشداء «صفر 766هـ»؛ من أجل الاستيلاء على مدينة حرض، إلا أنَّ محاولتهما وتحالفهما باء بالفشل.
وحين أعلن أشراف «المخلاف السليماني» بعد خمس سنوات تمردهم على «الدولة الرسولية»، أرسل «المهدي» علي بقوات كثيرة لمساندتهم، اسقطوا حرض، ثم واصلوا تقدمهم جنوباً حتى زبيد، حاصروها «جمادي الأولى 771 هـ / ديسمبر 1369م»، لينسحبوا بعد أن عجزوا عن السيطرة عليها إلى «الكدراء»، وفي الأخيرة استقروا لخمسة أشهر.
أرسل السلطان «الأفضل» حملة عسكرية كبيرة لمطاردتهم، بقيادة الأمير أمين الدين أهيف المجاهدي، والأمير ابو بكر السنبلي، أدرك «الإماميون» حينها أن لا طاقة لهم بمواجهة تلك القوات، ولوا هاربين إلى «المهجم»، وعادوا قبل أن ينتهي ذلك العام من حيث أتوا.
أعاد «الإماميون» بعد عامٍ وبضعة أشهر الكرة على تهامة، تصدى «الرسوليون» لهم بحزم هذه المرة، هزموهم هزيمة مُنكرة، وقتلوا قائدهم محمد بن إدريس، و«100» من أصحابه، وأجبروهم ومعهم الأمير المـُـتمرد محمد بن ميكائيل على الهروب، التجأ الأخير إلى «المهدي» علي، أعطاه حصن «المفتاح – حجة»، وظل والياً عليه حتى وفاته.
كما تبادل شعراء الدولتين خلال تلك الحقبة مُساجلات شعرية فيها الكثير من التحريض، وهي بمجملها توضح مرارة ذلك الصراع، وفضاعة العداء المستشري بين الجانبين، وحين قال الشاعر «الرسولي» محمد بن الراعي مُخاطباً الإمام «الزيدي»:
أبى الرحمن إلا أن ترانا … لأهل السنة البيضاء سناما
ومن مدح الملوك ينال عزاً … ويَلقى الذُل من مَدح الإماما
وما كالأفضل العباس تلقى … مليكاً لا وراء ولا أماما
عدمنا خيلنا إن لم تروها … على أبواب صعدتكم قياما
وكل جدوده لكم استباحوا … فسوف يكون في هذا لزاما
رد عليه الشاعر «الإمامي» يحيى بن الحسن الصعدي بقصيدة طويلة، خاطب فيها السلطان «الرسولي» على لسان سيده الإمام قائلاً:
فيا ابن التركمان بأي وجه … تحوز الفضل خلفاً أو أماما
تطاولني وباعك في المعالي … قصير ما بلغت به مراما
أنا وجه المفاخر حين تبدو … أنا ساق الهدى حين استقاما
أنا السيف المهند قد علمتم … إذا طلع الضلال إلي هاما
فإن أحببت تشبه عبد عبدي … فسر نحو العلى سبعين عاما
فكم من وقعة دارت عليكم … تركنا المحصنات بها أياما
ويوم زبيد خيمنا عليها … وأقعدنا معاقلها القياما
وأخربنا المساكن حين كنا … بدار الكفر لا نهوى المقاما
ولـمَّـا كان «المهدي» علي «جارودياً» مُتعصباً، صرح بعض فقهاء «الزيدية» وبتحريض منه بتكفير مُخالفيهم، وكتب الفقيه يحيى الصعدي رسالة طويلة مليئة بالمفردات المـُـقززة، خاطب بها أتباع المذهب «الشافعي» قائلاً: «تركتم سفن النجاة، وسلالة الرسول، وتسميتم بأهل السنة والجماعة، من الوقاحة وكثرة الخلاعة».
وأضاف: «أليس مذهبكم التجويز والجبر، فأخبرونا ما معنى النهي والأمر.. مقالات أخذتموها عن أرسطا طاليس، وعقائد شيخكم فيها إبليس، لتهجمن بكم طرق الغواية إلى النار، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار».
كما شبه أولئك الغلاة المـُـتعصبون إمامهم بالملاك الآتي من السماء، «لما خصه الله به من البهاء، وأتم له من النور»، حد توصيف أحدهم، وألصقوا به معجزات خارقة، منها: أنَّه مسح على رجل يبست يده حتى أعاد لها الحياة، والمفارقة الصادمة أنَّه – أي الإمام – أصيب في آخر عمره بالشلل، ولم تُغن مُعجزاته الخارقة عنه شيئاً!!.
أثناء مرضه الأخير، وفي نهاية عقده السابع، أناب «المهدي» علي ولده، وقائد جنده، وولي عهده الأمير صلاح الدين محمد بدلاً عنه، وحين أثر المرض على عقله؛ أعلن نائبه من ذمار نفسه إماماً «صفر 773هـ / أغسطس 1371م»، مُتلقباً بـ «الناصر»، وذلك قبل عام واحد من وفاة سلفه، نقل جثمان والده المتوفي إلى صعدة، ودفنه بوصية منه جوار «الهادي» يحيى، وكان بشهادة كثير من المؤرخين أسوأ منهما بكثير.
موعد مع الجحيم
«أنا لكم ما شئتم، إمام أو سلطان»، قالها «الناصر» صلاح الدين محمد، لفقهاء مذهبه الذين اعترضوا عليه بعد وفاة والده «المهدي» علي بن محمد «ربيع أول 774هـ / سبتمبر 1372م»؛ وذلك لعدم اكتمال شروط الإمامة فيه، سيطر بالقوة على الأمر، واشترى الإمامة من أحد مُعارضيه « »، ثم مضى في حكمه الدموي، مُسجلاً في «اليمن الأسفل» وتهامة فُصولاً سوداء من القتل، والتدمير، والنهب، مُكملاً ما بدأه أبوه، وبصورة أشد فضاعة.
كان الإمام الجديد – بشهادة كثير من المؤرخين – مُغامراً مُتهوراً، لم يكل ولم يمل من مقارعة خصومه، والتنكيل بهم، استغل ضعف «الدولة الرسولية»، وكثرة الخونة والمـُـتربصين من حولها، ووحد القبائل الشمالية، وأمن جانبها، وقادها، ووجهها جنوباً وغرباً؛ من أجل القضاء على تلك الدولة المـُـنهكة، إلا أنَّ محاولاته باءت بالفشل.
يُعد الشيخ أبو بكر السِّيري من أبرز أعيان «اليمن الأسفل» الذين تمردوا على «الدولة الرسولية»، استقل بجبل بعدان قبل «20» عاماً، ليعمل السلطان «المجاهد» علي، ومن بعده «الأفضل» عباس على التخلص منه، نجح الأخير في قتله «ذي الحجة 775هـ»، فاستنجد ولده محمد بـ «الناصر» صلاح الدين.
لبى «الناصر» صلاح الدين تلك الدعوة، وجهز في «رمضان» من العام التالي جيشاً عظيماً قاده بنفسه، التقى بـ «السِّيري» في إب، ثم تقدما بوقت واحد صوب تعز، خيما بالجند لثلاثة أيام، تعرضا لمقاومة عنيفة من قبل السكان، وحين أدرك الإمام أنَّ السلطان قد أعد العدة لملاقاتهم؛ انسحب من طريق آخر، تاركاً من استنجد به لمصيره، فما كان من الأخير إلا أن عاد إلى بعدان مُنكسر القوة والخاطر.
كانت تهامة بنظر «الناصر» صلاح الدين الجهة الأضعف، توجه إليها منتصف العام «777هـ»، لم يعترض طريقه أحد، استباح عساكره مُمتلكات المواطنين، وخربوا دورهم، ومزارعهم، ونهبوا كل شيء وجدوه أمامهم، استعد والي زبيد الأمير أمين الدين أهيف للمواجهة، استنجد بمشايخ المناطق المجاورة، فأمدوه بالرجال، وبالسلاح، وما أن رأى الإمام تلك الحشود حتى راعه المشهد، فخفَّ حماسه، وحماس من قَدموا معه.
ينقل لنا المؤرخ الخزرجي الذي كان حينها حاضراً جانباً من تفاصيل تلك الواقعة، قائلاً: «حصل قتال بين عسكر الإمام وأهل المدينة، فبينما الناس يقتلون، إذ خرج رجل من زبيد عظيم الخلقة، طويل القامة، على فرس كأعظم ما يكون من الجمال، وعلى الفرس والفارس ثياب كلها خضر، وحوله من الناس جمع كثيف، فلما خرج في جمعه ذلك ورآه العسكر انهزموا بين يديه، فتبعهم فتوجهوا شمالاً، ولم يلتفت منهم أحد، فكان آخر العهد بهم»، وذكر مؤرخ مجهول، أنَّ ريحاً عاتية هبت على «الناصر» صلاح الدين وجنوده في طريق عودتهم، وقتلت منهم نحو «1,300» رجل.
توجه السلطان «الأفضل» عباس في العام التالي إلى زبيد، وفيها كانت وفاته «21 شعبان 878هـ / ديسمبر 1376م»، فخلفه ولده «الأشرف الثاني» إسماعيل، اضطر الأخير إلى خوض عديد من المعارك لإصلاح ما أفسده الدهر، وكان عهده أكثر استقراراً من سلفه.
كانت صنعاء خلال تلك الحقبة خاضعة لـ «الحمزات»، دخلها «الناصر» صلاح الدين دون حرب «784هـ»، وذلك بعد مرور عامين من زواجه بوالدة الأمير إدريس بن عبدالله الحمزي، أسر الأخير لبعض الوقت، ثم اصطلحا، فيما هرب الأمير داؤود بن محمد الحمزي إلى «السلطان الرسولي»، وبقي في ضيافته حتى وفاته.
بعد خمس سنوات من الصراع، تم الصلح بين السلطان إسماعيل وبين الإمام صلاح الدين، إلا أنَّ الأخير نقضه بعد مرور خمسة أشهر، وعاد لغاراته الجنونية، وحروبه العبثية، توجه صوب تهامة للمرة الثانية، وعاد منها خائباً، ثم توجه بحملة كبرى قاصداً تعز، وحين علم باستعدادات «الرسوليين» للدفاع والمقاومة؛ استقر بجبلة، خربها، ونهبها «شعبان 787هـ / سبتمبر 1385م»، وعاد أدراجه أيضاً خائباً.
كغيره من الأئمة، كانت لــ «الناصر» صلاح الدين محمد حروباً كثيرة مع «الإسماعليين»، واقعة «المنقب» في همدان كانت الأشهر «788هـ»، وصل عدد القتلى فيها إلى أكثر من «1,000» قتيل، وقيل أقل من ذلك، وعنها قال صاحب «غاية الأماني»: «فلم يكن بأسرع من أن دخل عليهم جند الإمام وحكموا فيهم السيف الصمصام، حتى أتى القتل على آخرهم، ولم ينج منهم أحد، وكان يوماً عظيماً اضطرب منه اليمن بأسره، وذلت رقاب همدان لما وقع بهم من عقاب الله وزجره».
وعن تلك المعركة قال جمال الدين الهادي بن إبراهيم الـوزير:
واذكر لنا فـتح الإمـام محمـد … بلد الطغـام الفرقـة الأنجـاس
أفنى الإمام الباطنيـة عـن يـدٍ … ومحى رسوم الكفـر والأدنـاس
الناصـران مـن الأئمـة دمـرا … فرق الردى والكفر شـر أنـاس
يوم كنغـاش والمنقـب ألبـسا … فرق الضلال ملابـس الإبـلاس
كان «الإسماعليون» حينها متواجدون بكثرة في «همدان، وبني حشيش، وحراز، ويريم، وريام» وإلى الأخيرة توجه «الناصر» صلاح الدين «رمضان 789هـ»، وعن ذلك قال المؤرخ الخزرجي: «فنهب منها مالاً جليلاً، وقتل من أهلها طائفة، وقتل من أصحابه طائفة، ولما رجع الإمام عنها قصد عسكره إرياباً، – بالقرب من يريم – فأتلفوا زرعه، وقاتلهم أهل إرياب، وقتلوا منهم جماعة، ونهبوا كثيراً من خيامهم وأزوادهم وأثقالهم».
عدن – ثغر اليمن الباسم – لم تسلم هي الأخرى من مغامرات «الناصر» صلاح الدين وطيشه، توجه إليها أواخر ذات العام بجيش كبير، حاصرها لمدة «12» يوماً، ولما دنت عساكره من بابها، تقدم أحد قادته وكان مشهوراً باقتحام الحصون، فرُمي بصخرة كبيرة حتى خرَّ صريعاً، ورجع الإمام وعسكره خائبين مهزومين، بعد أن فتكت الأوبئة بأكثرهم.
قُدر لتهامة أن تدفع ثمن الجنون «الإمامي» أكثر من غيرها، سكانها بسطاء، وتضاريسها سهلة، وتحصيناتها هشة؛ أسبابٌ اجتمعت وجعلت «الناصر» صلاح الدين يشحذ الهمم للسيطرة عليها أكثر من مرة، تحرك إليها بجيشٍ هو الأكثر عدداً وعدة «جمادي الآخر 791هـ / يونيو 1389م»، وانضمت إليه وهو في طريقه إليها عدد من القبائل المـُـتمردة.
قويت بذلك شوكة الإمام المـُـغامر، وزادت عزيمته، اقتحم حرض، ثم المحالب، ثم المهجم على ضفاف وادي سردد، ومارس في كل منطقة سلوكه المحبب في التدمير والنهب، الأمر الذي أثار الرعب في سكان تهامة و«اليمن الأسفل» قاطبة، وكثرت الأراجيف، وظن الجميع حينها زوال «الدولة الرسولية» وإلى الأبد.
كان السلطان «الأشرف الثاني» إسماعيل حينها في زبيد، استقبل ولاته وعساكرهم الهاربين، واستعد لمعركة الدفاع عن عاصمة دولته الثانية جيداً، استدعى الإمدادات، وأمر بزيادة التحصينات، وحفر الخنادق، حصلت مناوشات محدودة في أطراف المدينة المحاصرة، كبدت «الإماميين» الكثير من الأرواح، قدرها الخزرجي بـــ «50» فرداً.
ظن الجميع أنَّ الإمام المـُـغامر ولى مُنهزماً، غير مدركين أنَّ الحرب خدعة، وأنَّ المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، حتى السلطان إسماعيل نفسه خُدع بالأمر، وعاد إلى مدينة تعز، ومعه حشد كبير من عساكره وحاشيته، وصارت زبيد بفعل ذلك التصرف على موعد مع الجحيم.
استجمع «الناصر» صلاح الدين – نيرون ذلك العصر – بعد أقل من شهر قبحه، وتوجه إلى زبيد مُوزعاً عساكره على أبوابها الأربعة، وابتدأ «النشابة» بصب سهامهم على نوبات الحراسة، لتقتحم المدينة من الباب الغربي الأقل تحصيناً، هرب العسكر «الرسولي»، وكانوا قلة، وتركوا المدينة المنكوبة ومواطنيها لقدرهم المحتوم.
غادر السكان منازلهم، على وقع عويل النساء، وصراخ الأطفال، فيما بقي الرجال للدفاع والمقاومة، وقد استطاعوا بأسلحتهم المتواضعة، أن يخرجوا الغزاة إلى خارج أسوار المدينة، الأمر الذي أغضب «الناصر» صلاح الدين، وأشعل نار حقده، ولكي يطفئ ذلك؛
أمر بإحراق القرى المجاورة، فاشتعلت النيران، وأخذتها الرياح حتى زبيد، فأحرقت المدينة، وطمست كثيرٌ من معالمها المائزة.
ابتدأ الجنود «الرسوليون» يتوافدون بقيادة الأمير بهاء الدين الشمسي لإنقاذ المدينة المحروقة، وتحرير تهامة، دارت مواجهات مُتقطعة، خسر فيها «الناصر» صلاح الدين حوالي «80» فرداً، أحدهم صهره، وحين أدرك ألا طاقة له بمواجهة تلك القوات، عاد أدراجه من نفس الطريق التي أتى منها، ولم يعد إليه صوابه.
قال صاحب «مأثر الأبرار» متباهياً بما فعله سيده: «وكان الإمام صلاح قد دوخ بلادهم وأخربها، – يقصد الرسوليون – وحمل من أبواب زبيد وغيرها أشياء كثيرة، حتى روى لي بعض الأصحاب: أنَّ مقدمة من القرآن فاخرة غنمها فقيه من أهل يسنم.. وكذلك ذكر لي بعضهم: أنَّ الشباك الحديد الذي فوق بيت من بيوت مسجد الهادي، وهو مركب فيه إلى جهة المطراق شامياً من بعض بيوت قرى زبيد».
بعد ثلاثة أشهر من تلك الواقعة، تم الصلح بين «الأشرف الثاني» إسماعيل ومحمد السِّيري، واتحد الاثنان لإعادة المناطق المـُـتمردة لكنف «الدولة الرسولية»، الأمر الذي أغضب «الناصر» صلاح الدين؛ فحشد الحشود القبلية، واقتحم بهم جبلة للمرة الثانية، استعد «السلطان الرسولي» للمواجهة، وطلب من أهل البلاد مساعدته، ولولا وصول المدد في الوقت المناسب؛ لمني بهزيمة نكراء؛ بسبب موالاة بعض القبائل التي اعتمد عليها للإمام نيرون.
انسحب «الناصر» صلاح الدين إلى ذمار، وأرسل في نفس اليوم حملة عسكرية إلى تهامة، وكان الموت مصير قائدها، وأغلب افرادها، وفي العام التالي توجه صوب مدينة جبلة للمرة الثالثة، وعاد منها مهزوماً، دون أن يحقق مراده.
مع بداية العام «793هـ» توجه «الناصر» صلاح الدين إلى بعدان، بلاد محمد السَّيري الذي استنصره بالأمس، مارس فيها جنونه، من قتل، ونهب، وتخريب، فجادت السماء بغيثها، وتجمعت المياه على الطرقات، وجعلتها أكثر وعورة، الأمر الذي سهل لأبناء البلد أن يصدوا توغل تلك الحملة، ويقتلوا الكثير من أفرادها، توجه الإمام بعد ذلك إلى الشعر، وهناك أخرج غله وحقده على سكان تلك المنطقة، وحين لم يظفر بها، عاد أدراجه خائباً كعادته.
أجمع كثير من المؤرخين أنَّ «الناصر» صلاح الدين كان أقرب للملك من الإمامة، اشتهر بكرمه وسخائه، وباهتمامه بالبناء مجارياً «الرسوليين»، وشهد عهده نهضة عمرانية في صنعاء وذمار، وعنه قال صاحب «غاية الأماني»: «ومن مبانيه العجيبة قصر ظفار الذي ليس له نظير في قطر اليمن، إلا القصر الذي بناه المؤيد الرسولي في ثعبات».
وهو رغم ذلك اشتهر بتعصبه المذهبي، سعى بكل ما أوتي من قوة وحقد على إجبار كثير من سكان المناطق «الشافعية» على اعتناق المذهب «الزيدي»، وخُطب له – كما ذكر بعض المؤرخين – في «ينبع، وتهامة، والشحر، وعسير».
والأسوأ من ذلك، أنَّه كان جباراً جريئاً في سفك الدماء، وحين قام سكان آنس بقتل عامله عليهم، قتل منهم «70» رجلاً، وأخذ منهم سبعين دية، وفيه قال أحد الشعراء:
لولا حسامك يا ابن الشم من مضر … ما كان في عين دين المصطفى نظر
بينت منهاجه للسالكين به … من بعد ما كان لا عين ولا أثر
ودست هامات أهل البغي فانصرعوا … قتلى ومأواهم من بعد ذا سقر
قضى لك السعد والأيام شاهدة … فصار يجري على ما تشتهي القدر
الطغاة من أمثال «الناصر» صلاح الدين لا يستسلمون إلا لحتفهم، تأخذهم العزة بالإثم حتى النهاية، ولا وجود للتوبة في قاموسهم! وقد كانت الوجهة الأخرى والأخيرة لهذا الطاغية «بني شاور» من بلاد لاعة «رجب 793هـ»، حيث الفقيه «الشافعي» شهاب الدين أحمد بن زيد الشاوري.
كان هذا الفقيه مناوئا لـلأئمة، كثير الانتقاد لمذهبهم، وصنف مُختصرا في ذلك، كما أنَّه منع أبناء منطقته من ترك المذهب «الشافعي»، بعد أن أجبرهم «الناصر» – وأجبر غيرهم – على اعتناق المذهب «الزيدي»، ولأجل ذلك هاجمه الإمام، وقتله هو وولده أبا بكر، وأخوته، وطائفة من فقهاء مذهبه، وخرَّب ونهب بلده، وكان فيها أموال كثيرة مودعة عنده؛ لثقة الناس به، وقد رثاه إسماعيل المقري بقصيدة طويلة، خاطب بها ذلك الطاغية قائلاً:
أراني الله رأسك يا صلاح … تداوله الأسنة والرماح
لقد أطفأت للإسلام نوراً … يضيء العلم منه والصلاح
فلا تفرح لسفك دم ابن زيد … فما يرجى لقاتله صلاح
ألا شَلَّتْ يمينك يا صلاح … وعجل يومك القدر المتاح
استجاب القدر، وتحققت عدالة السماء، ولم يكد «الناصر» صلاح الدين يُتم رحلة عودته، حتى سقطت به بغلته، وافتك وركه، وانكسر كعبه، ودخل به إلى صنعاء محمولاً، وكانت بعد ذلك ببضعة أشهر نهايته «3 ذو القعدة 793هـ / أكتوبر 1391م»، عن «54» عاماً، أخفى أهله خبر موته لأكثر من شهر؛ كي يستتب الأمر لولده الأكبر علي من بعده، وقيل غير ذلك (4).
رب ضارة نافعة، ولولا وفاة «الناصر» صلاح الدين « »، وعودة الصراع والتنافس «الزيدي – الزيدي»، ما استعاد «الرسوليون» عافية دولتهم، وما امتد عمرها حتى العام «858هـ»، تاريخ نهايتها المحتوم، على يد أصهارهم «الطاهريين»، – كما سيأتي – وكأنَّه قدر لسكان «اليمن الأسفل» ألا يرتاحوا وينعموا بالأمن والأمان؛ إلا إذا اختلف وتحارب هؤلاء «الإماميون»!!.
أثناء سيطرتهم على «اليمن الأعلى»، عمل «الأيوبيون» ومن بعدهم «الرسوليون» على تنصيب ولاة من قبلهم على تلك المناطق، كان أغلبهم من «الأكراد»، وحين ضعفت «الدولة الرسولية» استقر غالبية هؤلاء الأمراء ومماليكهم في ذمار، استغلوا الصراع «الزيدي – الزيدي»، وصاروا صُناع أحداث داخل دولة الإمامة نفسها، في سابقة مُلفتة لم تشهدها تلك الدولة «الثيوقراطية» من قبل.
لم يسيطر «المهدي» على بن محمد على معظم مناطق «اليمن الأعلى» إلا بمساعدة هؤلاء الأمراء، ومماليكهم، زوج ولده «الناصر» صلاح الدين من فاطمة بنت الأسد بن إبراهيم الكردي، واستطاع بمساعدة والدها الأمير تثبيت أركان دولته، بعد أن جعله والياً على ذمار، وكانت نتيجة تلك المصاهرة حفيده علي، الذي تولى الإمامة يوم دفن والده «الناصر» في صنعاء «ذي الحجة 793هـ / نوفمبر 1391م»، وعمره آنذاك «18» عاماً.
تلقب الإمام الصغير بـ «المنصور»، وبويع بصنعاء في اليوم نفسه لقريبه الأكبر منه بعشر سنوات أحمد بن يحيى بن المرتضى « »، تلقب الأخير بـ «المهدي»، وهو جد أسرة «شرف الدين»، مال كثير من العلماء حينها لصف معارضه، وذلك بعد أخذ ورد فيما بينهم حول من يستحق الإمامة، تخلى بعضهم عن شرط الاجتهاد، وقالوا صراحة بجواز مُبايعة المفضول مع وجود الفاضل.
رغم أنَّ «المهدي» أحمد كان الأكثر علماً ودراية، وتمت مبايعته وفق شروط المذهب «الزيدي» المـُـتعارف عليها، مال غالبية علماء «الزيدية» عنه، ليتهمهم ابنه الحسن «كاتب سيرته» بأخذ رشوة من منافسه، وكان أشهر المتهمين القاضي عبدالله بن حسن الدواري، والعلامة محمد بن إبراهيم الوزير ، وقد ألف الأخير ــ فيما بعد ــ كتاباً أسماه: «الحسام المشهور في الذب عن دولة الامام المنصور»، أثنى فيه على ذات الإمام، وأشار إلى صلاحه، واهتمامه بالعلم والعلماء « ».
استغل عدد من أمراء وأعيان «اليمن الأعلى» ذلك الصراع، ورفعوا من خارج صنعاء راية العصيان، عددهم صاحب «غاية الأماني» بقوله: «فإن أول من أظهر الخلاف الأمير إدريس بن عبدالله بن داؤود، والداعي ابن الأنف صاحب ذي مرمر، وقبائل همدان كالهبريين، وبني مكرم، وبني حاشد وجشم، وغيرهم من أهل خولان، ونهم، وذيبان، وبني شهاب، وسنحان».
أما «المهدي» أحمد، فإنَّه وبعد أن رأى ميلان غالبية علماء «الزيدية» لمنافسه القوي؛ خرج إلى بيت بوس مُتمرداً، وهناك حاصره «المنصور» علي لـ «13» يوماً، ليذعن بعد أن تدخل القاضي الدواري للصلح، على أن يتم مُناقشة أمر الإمامة من جديد، واختيار من هو أهل لها.
عاد الجميع إلى صنعاء، وبدأ الإمامان في تحشيد أنصارهما، وعلى غفلة من منافسه الذي تقوى بوالدته، وبأخواله «الأكراد»، ومماليكهم، خرج «المهدي» أحمد إلى القبائل الشمالية، حظي بمساندتها، ومساندة «الحمزات»، استولى الأخيرون على صعدة، وحاصروا صنعاء لثلاثة أشهر، وكانت بالفعل على وشك السقوط.
دارت حروب وخطوب بين الجانبين، وفي أكثر من جهة، انتهت مُنتصف العام «794هـ» بأسر «المهدي» أحمد في معبر، وقتل «80» رجلاً من أصحابه، اقتيد بصورة مُخزية إلى صنعاء، وفيها تم حبسه مُكبلاً، وإلى «المنصور» علي كتب الهادي بن إبراهيم الوزير مُستعطفاً في فك قيود الإمام الأسير، قائلاً:
فقلت له فداك أبي وأمي … تلطف بالقرابة والرحامة
فإن السيد المهدي منكم … بمنزلـة تحــق لـه الفخامـة
ألم يك جـدك المهـدي خـالاً … له وكفـى بـذلك في الرحامـه
سـألتك أن تـبرد منـه سـاقًا … نحيفًـا قيـده أوهـى عظامـه
ومن هجرة «قطابر» أعلن «الهادى» علي بن المؤيد بن جبريل « » ذو الـ «40» عاماً نفسه إماماً «محرم 796هـ»، وقيل قبل ذلك، مؤسساً دولة «زيدية» في شمال الشمال، وهو أيضاً من نسل «الهادي» يحيى، وجد «آل المؤيدي»، وممن بايعوا «المنصور» علي عام قيامه، حاول الاستيلاء على مدينة صعدة، وبويع له في «خولان الشام، والأهنوم، وبلاد الشرف».
بعد سبع سنوات وإحدى عشر يوماً من الحبس، نجح «المهدي» أحمد بالهرب، تنقل بين عدة مناطق، ثم توجه إلى «فللة – صعدة»، حيث «الهادي» علي، تحالف مع الأخير، وقيل أنَّه تنازل له عن الإمامة، ليقضي «المنصور» علي – فيما بعد – على تلك الدولة الضعيفة، أخذ صعدة بعد حصار دام سنين، فيما استمر «المؤيدي» في ضواحيها، مُحاولاً استعادتها حتى وفاته «محرم 836هـ».
أما «المهدي» أحمد، فقد ظل مُتنقلاً من منطقة إلى أخرى، مُنكباً على الاطلاع والكتابة، كانت «ظفير – حجة» محطته الأخيرة، وسبق له وأن ألف أثناء فترة حبسه كتاب «متن الأزهار»، المرجع الأشهر في الفقه «الزيدي»، وفيه ظهر تعصبه المذهبي وبقوة، بدليل قوله الدعائي في ذات الكتاب:
إذا شئت أن تختر لنفسك مذهباً … ينجيك يوم الحشر من لهب النار
وخذ من الناس قولهم ورواتهم … روى جدي عن جبرائيل عن الباري
وفي المقابل، لم يكن «المنصور» علي مُتعصباً لمذهبه؛ بل كان على وفاق مع علماء السنة، عكس والده وجده، استناب الفقيه أبو الحسن علي بن يحيى العمراني على صنعاء قاضياً وحاكماً، رغم أنَّ الأخير «شافعي» المذهب، ولم يأبه باعتراض مُتعصبي «الزيدية» على ذلك، وإليه قدم بعض علماء «اليمن الأسفل» راجين عطائه.
كان عهد «المنصور» علي أقرب إلى الملك، لأسباب عدة؛ أبرزها أنَّه لم يكن مستوفٍ لشروط الإمامة، كما كان لأمه «الكردية»، ولمماليك جده ووالده دور بارز في ذلك التحول، كانت والدته قوية مُهابة، أدارت الحكم أثناء غيابه عن صنعاء باقتدار، وكانت تباشر بنفسها تجهيز الحملات العسكرية إلى المناطق المضطربة، القريبة والبعيدة عن ذات المدينة، ومنعتها من السقوط أكثر من مرة.
كانت علاقة «المنصور» علي بـ «الرسوليين» في أغلب فترة حكمه التي تجاوزت الـ «46» عاماً هادئة ومُستقرة، أرسل بداية عهده بهدايا الصداقة للسلطان «الأشرف الثاني» إسماعيل، آخر سلاطين «بني رسول» الأقوياء، كان الأخير بشهادة كثير من المؤرخين كريماً مُهاباً، أعلنت معظم القبائل «الزيدية» خاصة تلك القريبة من حدود دولته ولائها له، وكذلك فعل بعض «الحمزات»، أرسل جميعهم وفودهم إليه، ونالهم من عطائه الكثير.
استغل السلطان «الرسولي» بداية عهده الصراع «الزيدي – الزيدي»، وحاول أكثر من مرة السيطرة على ذمار، وحين فشل؛ اكتفى بالسيطرة على رداع، بواسطة نائبه في تلك الجهة الشيخ طاهر بن عامر، وما أن شاع خبر وفاته «18 ربيع أول 803هـ / أكتوبر 1400م»، حتى استعاد «المنصور» علي زمام المبادرة، وقام بعدة محاولات لاستعادة السيطرة على تلك المدينة، انتهت بعد ثلاثة أعوام بالصلح، وبأن تنازل له «الطاهريون» عن إحدى القلاع الحصينة.
وفي العام «820هـ / 1417م» أعاد «المنصور» علي الكرة على «الطاهريين» – حكام رداع باسم «الدولة الرسولية» – فما كان منهم إلا أن استنجدوا بالسلطان «الناصر» أحمد بن «الأشرف الثاني» إسماعيل، أنجدهم الأخير بقوات جرارة قادها بنفسه، أوقع بـ «الإماميين» شرَّ هزيمة، وفتك بالكثير منهم؛ أخذ «الطاهريون» بعد ذلك في تقوية أنفسهم، في الوقت الذي أخذ فيه «الرسوليون» يزدادون ضعفاً، خاصة بعد وفاة ذات السلطان «جمادي الأولى 827هـ / إبريل 1424م».
كما كانت لـ «المنصور» علي – كأبيه وجده – حروب كثيرة مع «الإسماعليين»، اجتاح ثلا، ثم توجه صوب معقلهم الحصين في «ذي مرمر»، حاصره لسنة وثلاثة أشهر، وأخرج «بني الأنف» منه «شعبان 829هـ»، وعن تلك الموقعتان قال الفقيه أحمد بن قاسم الشامي:
وقد فتح المنصور بالله أرضهم … ببيض المواضي والردينية السمر
وما زال في أرض القرامط لابساً … من الله سربال السعادة والنصر
توفي «المنصور» علي في صنعاء «محرم 840هـ / 1437م»، وهو العام الذي حلَّ فيه وباء «الطاعون»، ومات بسببه الآلاف من اليمنيين، منهم مُنافسه «المهدي» أحمد، الذي لحق به في الشهر التالي، وولده «الناصر» محمد، الذي حكم لـ «40» يوماً فقط، وقيل أقل من ذلك، لتتحكم زوجة الأخير الأميرة فاطمة بنت الحسن بن صلاح، – وهي من تبقى من ذرية «المنصور» علي – ومملوك زوجها قاسم بن عبدالله بن سنقر « » بالأمر.
حين رأت الأميرة فاطمة عدم رضا العامة عنها، أجمعت ومسانديها على اختيار صلاح بن علي – من نفس الأسرة – إماماً وزوجاً، تلقب الأخير بـ «المهدي»، وعزم بعد عدة أيام على التخلص من المملوك قاسم بن عبدالله سنقر، إلا أنَّ الأخير أحبط محاولته، وزج به في السجن، لتنجح زوجته الأميرة فاطمة بإخراجه، أخذته معها إلى صعدة، وهناك كان لها الأمر والنهي دون منازع، وعنها قال ابن أبي الرجال:
بلقيس هذا العصر يا من علت … قدراً على بلقيس في عصرها
ومتعت في ملكها سدة … في أمرها الماضي وفي نهبها
نَصَّب المملوك قاسم سنقر في صنعاء الناصر بن محمد إماماً، والأخير من نسلِ «المظلل بالغمامة»، كان صغير السن، قليل العلم، تلقب بـ «المنصور»، تيمناً بـ «المنصور» علي، جده لأمه مريم، لتنجح الأخيرة بتهريبه؛ حين وقع الخلاف بينه وبين ذلك المملوك المـُـتسلط، طلت وجهه باللون الأسود، والبسته لبس الجواري، فتوجه من فوره إلى حصن «هران – ذمار»، واتخذه مقراً له، وانظم إليه غالبية مماليك وعبيد جده.
«الحمزات» من جهتهم استغلوا ذلك الصراع، وأعلن المـُطهر بن محمد بن سليمان الحمزي من الأهجر نفسه إماماً، مُتلقباً بـ «المـُـتوكل»، استدعاه المملوك سنقر إلى صنعاء، وأعلن تأييده له، ليخرجا معاً وقبل أن ينتهي ذلك العام لمحاربة «المنصور» الناصر، وفي قرية «قريس – جهران» كانت المواجهة.
استعان الإمام الناصر بـ «الطاهريين»، وبهم انتصر، أسر مُعارضه الإمام المـُطهر، وأمر بحبسه، كما أمر بخنق قاسم سنقر، – كي يبدوا موته طبيعياً – وقيل أنَّه أراد بذلك تلافي غضب حلفائه «الأكراد»، ليدخل بداية العام التالي صنعاء دخول الفاتحين، بعد أن انتصر بالخديعة على زيد ابن المملوك الصريع، وذلك بالتزامن مع هروب «المـُـتوكل» المـُطهر من سجنه في حصن «الربعة» بذمار.
تقوى بعد ذلك أمر الإمام المـُطهر، توجه شمالاً، وحظي بمساندة بني عمومته «الحمزات»، وكانت أغلب حروبه مع «المهدي» صلاح، أخذ عليه صعدة، بعد أن ناصره سكانها، وإلى الإمامين أرسل الشاعر أحمد بن قاسم الشامي بقصيدة طويلة مُنتقداً، ومحرضاً إياهما على التوجه جنوباً، نقتطف منها:
هلا سألت مطهراً وصلاحا … هلا حصل للمسلمين صلاحا
أم جهزا جيشاً لبلدة طاهر … يروي التراب بها دماً سفاحا
ويذيق ساكنها الحِمام وتمتلئ … تلك النواحي والحصون نواحا
أو ليس أملاك المتوج طاهر … ملكوا رداع وهيوة وصباحا
تلك التي كانت لآل محمد … صدقاً وهم فيها مساً وصباحا
فسطا عليهم شافعي سالك … في مذهب لكنَّ فيه فساح
فيه الغناء مع البراعة جائز … والطار والشطرنج صار مباحا
يا داعيان دعا العناد وأديا … فرض الجهاد وقدما الأرواحا
بعد خمسة أعوام من الصراع، استعاد «المهدي» صلاح السيطرة على صعدة، ملأ سجونه بغالبية سكانها، ونهب منها أموالاً كثيرة، وخرج قاصداً صنعاء «846هـ / 1443م»، التقاه «المنصور» الناصر بسفح جبل نقم، هزمه شرَّ هزيمة، وغنم أمواله، وزج به في السجن، ثم توجه بقواته المـُـنتشية بالنصر صوب صعدة، سيطر عليها، ولم يترك للأميرة فاطمة سوى بعض الحصون، ليصطلحا بعد عامين، وذلك بعد أن زوجته بـ «بدرة»، ابنتها من زوجها المتوفي «المهدي» محمد.
وبالعودة إلى أخبار زوجها الثاني «المهدي» صلاح بن علي، فقد توفي هو الآخر بسجنه في صنعاء مسموماً «ربيع الأول 849هـ»، وذلك بالتزامن مع استعادة «المـُـتوكل» المـُطهر لنفوذه، سيطر الأخير على بلاد الشرف، وعدد من حصون تلك الجهة، ثم توجه صوب صعدة بطلب من الأميرة فاطمة، وهناك تزوج بابنتها «بدرة»، بعد أن فسخ نكاحها من «المنصور» الناصر، آسره وآسر زوجها من قبل؛ بذريعة أنهما أخوة من الرضاعة، وقيل غير ذلك.
سبق وأشرنا إلى استعانة «المنصور» الناصر بداية عهده بـ «الطاهريين»، إلا أن المودة لم تدم بينهم طويلاً، توجه لمحاربتهم، وعن ذلك قال صاحب «روضة الأخبار»: «خرج الناصر إلى ذمار، فجمع أحزابه، وعب كالسيل عبابه، وخرج على غفلة إلى بني طاهر، فدخل مدينة دمت عنوة، ولم يكن لمن فيها وقعة قوة، ونهب وأخرب، والتجأ أهلها إلى الحصن.. وعاد فقصد حصن هيوة، فغشي من فيها الجبن، فسلموا إليه الحصن، وهو من الحصون الرفيعة، والمعاقل المنيعة».
كانت الحرب بينهما بعد ذلك سجالاً، تخللتها بعضٌ من محطات الصلح المؤقت، كما كانت لــ «المنصور» الناصر حروب مع «المـُـتوكل» المـُطهر، الذي تحالف هو الآخر مع «الطاهريين»، وكانت هي الأخرى سجالاً.
بعد عشر سنوات من الصراع المـُـنهك، نجح الإمام الناصر بالسيطرة على صعدة مرةً أخرى «شوال 860هـ»، قبض على الأميرة مريم وأعوانها، واقتادهم مُقيدين إلى صنعاء، فيما نجحت ابنتها «بدرة» بالهروب إلى «خولان الشام»، ثم لحقت بأمها، استعاد «المـُـتوكل» المـُطهر بعد ذلك زمام المبادرة، وتمكّن بعد ست سنوات من أسر «المنصور» الناصر، وكانت نهاية الأخير كما «المهدي» صلاح في السجن قتيلاً.
كانت صفحة «الدولة الرسولية» حينها قد طويت، وذلك بعد أن عصفت الصراعات الأسرية بها، والتي كان آخرها بين السلطان «المسعود» صلاح الدين الذي استعاد التهائم وعدن، ليزحف من هناك إلى تعز، لطرد السلطان «المـُظفر الثاني» يوسف بن عمر بن إسماعيل، استغل مماليك تهامة الحرب بين السلطانين، فشددوا قبضتهم على تهامة، ونصبوا الأمير حسين بن «الظاهر» سلطاناً « شعبان 855هـ / نوفمبر 1451م»، ولقبوه بـ «المؤيد».
صار بذلك لـ «الدولة الرسولية» ثلاثة سلاطين، يتنازعون الملك والسيادة، الأمر الذي شجع ولاتهم، وحلفاؤهم، وأصهارهم «الطاهريين» على وراثة الدولة والحكم، دخل الأخيرون عدن «23 رجب 858هـ / 19 يوليو 1454م»، وأسروا «المؤيد» حسين آخر ملوك «بني رسول»، فابتدأت من هناك دولتهم، وفيها أيضاً – كما سيأتي – كانت نهايتهم (5).
«الرسوليون»، ومن بعدهم «الطاهريون»، ومن بعدهم «الأتراك»، أتوا امتداداً للدولة، التي تتجدد وإن تغيرت مسمياتها، أما الفكرة فتمضي قُدُماً دون تجديد، وإن تغيرت تفسيراتها، وتعددت أسماء من يتولون زمامها، وما دامت بنظر مُعتنقيها عقيدة، وجزءاً من الدين، فمن الصعب اجتثاثها، تنكمش إذا ما وجدت دولة وحاكم قوي يصدها، وتتمدد إذا حصل العكس!! ومن هذا المنطلق، فإن التنافس والصراع بين «فكرة الدولة»، و«دولة الفكرة»، سيظل حتى قيام الساعة.
أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب…