الوجود الكردي في مصر اليوم

الوجود الكردي في مصر اليوم

يعيش العديد من الكرد اليوم في مصر، وهم منتشرون في أماكن مختلفة تمتد من الإسكندرية شمالا إلى أسوان جنوباً، وقد انصهر القسم الأكبر منهم في البوتقة المصرية، ولا يزال الكرد القاطنون في المدن المصرية معروفين بأصولهم الكردية، ومنهم من يشغل مواقع بارزة، ومنهم الحكام والمحامون والصحفيون والمدراء والفنانون.

وهناك عائلات كردية استقرت في صعيد مصر تمارس حياة عادية لا تتميز عن بقية الشعب المصري، وهناك جمعية في حي شبرى بالقاهرة باسم ” الجمعية الكردية” أسسها أكراد الصعيد(42)،كما يوجد العديد من الطلبة الكرد في كافة بلاد كردستان ممن تلقوا تعليمهم الجامعي في جامعات مصر وخاصة جامعة الأزهر الشريف.

ومن العائلات الكردية المعروفة في مصر عائلة ” تيمور باشا”، التي ينتسب إليها الكاتب أحمد تيمور باشا، والشاعرة عائشة التيمورية، والأديب محمود تيمور. وعائلة بدرخان، والأورفلي، ظاظا، الكردي، وانلي، عوني، الكردي، خورشيد، آغا….

فعلى سبيل الذكر سكنت عائلة من آل بدرخان مدينة الفيوم وعرفوا باسم (والي)، لأنهم كانوا ولاة على هذه المدينة، لذلك أصبح لقب الوالي تسمية لهم ويعرفون بها، وعرفنا منهم سيد بك والي( بدرخان) الذي أرسل برقية تعزية من الفيوم يوم وفاة جلادت بدرخان بدمشق، وسكن بعض من آل بدرخان في القاهرة، وهؤلاء البدرخانيون من أحفاد أمير بوتان الكردي بدرخان باشا.

وهناك العديد من أعلام مصر يعودون إلى أصول كردية أمثال أمير الشعراء أحمد شوقي، والأديب محمود تيمور، والإمام المصلح محمد عبده، والمخرج أحمد بدرخان، وعلي بدرخان، ومحرر المرأة قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وعامر العقاد، وأحمد أمين، الدكتور حسن ظاظا، والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وأحمد رمزي،ودرية عوني…

كما أن كثيراً من القرى المصرية تحمل لفظ الأكراد، مثل ” كفر الأكراد”، و” منية الكردي”، و” قرية الكردي” مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية بالوجه البحري. وتقول درية عوني: وهل يعلم سكان الزمالك، أن كلمة” الزمالك” هي كلمة كردية تعني مصيف الملوك، ويقال إنها كانت المكان الذي يصطاف به الملوك الأيوبيون أيام حكمهم لمصر، حيث كانت هذه المنطقة تعج بالحدائق الغنّاء في ذلك الحين.

سليمان الحلبي الكردي يقتل كليبر في القاهرة 1800م  (7)

في شهر حزيران من عام 1800 قام البطل الكردي سليمان الحلبي بقتل كليبر قائد الجيش الفرنسي والحاكم العام بمصر بعد عودة نابليون إلى فرنسا.

ولد هذا البطل الكردي المدعو سليمان محمد أمين أوس قوبار من عائلة عثمان قوبار والمشهور بلقب سليمان الحلبي عام1777 في قرية كـُوكـَانْ فوقاني “الجَزْرُونِيَّة ” ( التابعة لمنطقة عفرين في الشمال الغربي من مدينة حلب ) .

نشأ بحلب، ثم أرسله والده عام 1797م إلى القاهرة ليتلقى تعليمه بالأزهر الشريف. وهناك توطّدت صلته بأستاذه الشيخ أحمد الشرقاوي .. الذي رفض الاستسلام للغزوة الفرنسية .. مساهماً في إشعال فتيل ثورة القاهرة الأولى يوم 21 أكتوبر 1798. وكان سليمان الحلبي بجانب أستاذه الشيخ الشرقاوي عند اقتحام جيش نابليون أرض الجيزة، ثم أرض ( المحروسة ـ القاهرة ).

وراح الغزاة الفرنسيون يذيقون الشعب المصري الويلات .. لذلك أججوا (ثورة القاهرة الأولى) ضد الغزاة انطلاقاً من منطقة الجامع الأزهر . ورَدَّ عليهم الغزاة بقذائف مدافعهم التي نالت من قدسية ( المسجد الأكبر ) ، ودنسته خيول الغزاة باحتلاله .. وحكموا على ستةٍ من شيوخ الأزهر بالإعدام ” منهم الشيخ الشرقاوي أستاذ سليمان الحلبي ” ، واقتيدوا إلى القلعة، حيث ضربت أعناقهم .. ثم انتشلت أجسادهم إلى أماكن مجهولة .

وبعد تمكن الغزاة من إخماد ثورة القاهرة الأولى، تضاعفت مظالمهم، ولوحق كل مشبوه باسم الجهاد أو المقاومة الشعبية الوطنية المصرية. فاختفى من اختفى، وهرب من مصر من هرب. وكان سليمان الحلبي .. ممن غادروا أرض مصر إلى بلاد الشام بعد غياب ثلاث سنوات، وتوجه إلى مسقط رأسه ( قرية كوكان /عفرين )، فيلتقي بأحد القادة العثمانيين في حلب ( أحمد آغا / وهو من انكشارية إبراهيم بك )، فيأمره بالتوجه إلى مصر لأداء واجبه الإسـلامي الجهادي.. وكلفـه بمهمة اغتيال خليفة بونابرت الجنرال كليبر ..

تابع سليمان الحلبي مسيره حتى وصل إلى القدس، وصلى في المسجد الأقصى في مارس (آذار) عام 1800، ثم توجه إلى الخليل حيث إبراهيم بك ورجاله في جبال نابلس. وبعد عشرين يوماً من إقامته في الخليل، سار في أبريل (نيسان) 1800 إلى غزة في استضافة: ياسين آغا ” أحد أنصار إبراهيم بك ” في الجامع الكبير، وسلمه سليمان رسالة من أحمد آغا المقيم في حلب.. تتعلق بخطة تكليفه بقتل الجنرال كليبر.. نظراً لكون سليمان عنصراً من عناصر المقاومة.. التي تناضل في سبيل تحرير مصر من الغزاة.

وفي غزة.. سَلَّمَ ياسين آغا 40 قرشا إلى سليمان الحلبي.. لتغطية نفقات سفره برفقة قافلة الجمال التي تحمل الصابون والتبغ إلى مصر، وليشتري سـكيناً من محلةٍ في بلدة غزة ( وهي السكين التي قتل بها سليمان، الجنرال كليبر ).

استغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام، وانضم سليمان ثانية إلى مجموعة طلاب الأزهر الشوام المقيمين في ( رواق الشوام )، وكان منهم أربعة مقرئي القرآن من فتيان فلسطين أبناء غزة، هم: محمد و عبد الله و سعيد عبد القادر الغزي، وأحمد الوالي. وأعلمهم عزمه على قتل الجنرال كليبر، وأنه نذر حياته للجهاد في سبيل تحرير مصر من الغزاة.. وربما لم يأخذوا كلامه على محمل الجد.

وفي صباح يوم 15 يونيو 1800.. توجه سليمان الحلبي إلى ( بركة الأزبكية)؛ حيث يقيم الجنرال كليبر، وبعدما فرغ كليبر من تناول الغداء في قصر مجاور لسكنه ومعه كبير المهندسين الفرنسيين قسطنطين بروتاين.. وكان سليمان قد دخل حديقة القصر، وتمكن من طعن الجنرال كليبر بسكينه أربع طعنات قاتلة. وتمكن كذلك من طعن كبير المهندسين ست طعنات في أماكن مختلفة من جسمه..

شاء القدر أن يقبض عليه، وأجريت له محاكمة عسكرية فرنسية قضت بإعدامه صلبا على الخازوق، بعد أن تحرق يده اليمنى، ثم يترك طعمة للعقبان، ونفذ فيه ذلك، في تل العقارب، يوم 18 حزيران 1800م . وبقي جثمانه على الخازوق عدة أيام .. تنهشه الطيور الجوارح، والوحوش الضواري، وعلقت إلى جانبه رؤوس ثلاثة من علماء الأزهر- أصلهم من غزة – كان قد أفضى إليهم بعزمه على القتل، ولم يفشوا سره، وتم حرق أجسادهم حتى التفحم.

وكان ذلك بعد دفن الجنرال كليبر في موضع قريب من ( قصر العيني ) بالقاهرة.. باحتفال رسمي ضخم.. ثم وضع جثمانه في تابوتٍ من الرصاص ملفوفٍ بالعلم الفرنسي، وفوق العلم سكين سليمان الحلبي المشتراة من غزة. وقد حمل إلى باريس، عظام الجنرال كليبر في صندوق، وعظام سليمان الحلبي في صندوق آخر.

وعند إنشاء متحف ( انفاليد ـ الشهداء ) بالقرب من ( متحف اللوفر ) في باريس، خصص في إحدى قاعات المتحف اثنان من الرفوف: رف أعلى.. وضعت عليه جمجمة الجنرال كليبر، ورف أدنى تحته.. وضعت عليه جمجمة سليمان الحلبي، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: جمجمة المجرم سليمان الحلبي. والجمجمتان لا تزالان معروضتين في ذلك المتحف إلى اليوم. ولا زال الخنجر الذي طعن به كليبر محفوظاً في مدينة كاركاسون بفرنسا.

وهكذا قدم الحلبي حياته رخيصة من أجل الأخوة العربية – الكردية، وكان بطلاً حقيقياً، وفتى من شهداء الإسلام والحرية والوطنية (43).

مشاركة عبر :

معلومات اخرى

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب   يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب…

المزيد

“كردستان” أول صحيفة كردية تصدر في مصر

“كردستان” أول صحيفة كردية تصدر في مصر نتيجة للتفاعل والتواصل المصري – الكردي أصدر الأمراء البدرخانيون المهاجرون من كردستان تركيا بعد ثوراتهم العديدة إلى مصر…

المزيد

التحالفات الكردية- المصرية خلال القرن التاسع عشر

التحالفات الكردية- المصرية خلال القرن التاسع عشر أولاً: تحالف الأمير بدرخان مع إبراهيم باشا المصري استطاع أمير بوتان بدرخان بن عبدال خان الاستقلال بإمارته عن…

المزيد