الوجود الكردي في مصر اليوم

الوجود الكردي في مصر اليوم

يعيش العديد من الكرد اليوم في مصر، وهم منتشرون في أماكن مختلفة تمتد من الإسكندرية شمالا إلى أسوان جنوباً، وقد انصهر القسم الأكبر منهم في البوتقة المصرية، ولا يزال الكرد القاطنون في المدن المصرية معروفين بأصولهم الكردية، ومنهم من يشغل مواقع بارزة، ومنهم الحكام والمحامون والصحفيون والمدراء والفنانون.

وهناك عائلات كردية استقرت في صعيد مصر تمارس حياة عادية لا تتميز عن بقية الشعب المصري، وهناك جمعية في حي شبرى بالقاهرة باسم ” الجمعية الكردية” أسسها أكراد الصعيد(42)،كما يوجد العديد من الطلبة الكرد في كافة بلاد كردستان ممن تلقوا تعليمهم الجامعي في جامعات مصر وخاصة جامعة الأزهر الشريف.

ومن العائلات الكردية المعروفة في مصر عائلة ” تيمور باشا”، التي ينتسب إليها الكاتب أحمد تيمور باشا، والشاعرة عائشة التيمورية، والأديب محمود تيمور. وعائلة بدرخان، والأورفلي، ظاظا، الكردي، وانلي، عوني، الكردي، خورشيد، آغا….

فعلى سبيل الذكر سكنت عائلة من آل بدرخان مدينة الفيوم وعرفوا باسم (والي)، لأنهم كانوا ولاة على هذه المدينة، لذلك أصبح لقب الوالي تسمية لهم ويعرفون بها، وعرفنا منهم سيد بك والي( بدرخان) الذي أرسل برقية تعزية من الفيوم يوم وفاة جلادت بدرخان بدمشق، وسكن بعض من آل بدرخان في القاهرة، وهؤلاء البدرخانيون من أحفاد أمير بوتان الكردي بدرخان باشا.

وهناك العديد من أعلام مصر يعودون إلى أصول كردية أمثال أمير الشعراء أحمد شوقي، والأديب محمود تيمور، والإمام المصلح محمد عبده، والمخرج أحمد بدرخان، وعلي بدرخان، ومحرر المرأة قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وعامر العقاد، وأحمد أمين، الدكتور حسن ظاظا، والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وأحمد رمزي،ودرية عوني…

كما أن كثيراً من القرى المصرية تحمل لفظ الأكراد، مثل ” كفر الأكراد”، و” منية الكردي”، و” قرية الكردي” مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية بالوجه البحري. وتقول درية عوني: وهل يعلم سكان الزمالك، أن كلمة” الزمالك” هي كلمة كردية تعني مصيف الملوك، ويقال إنها كانت المكان الذي يصطاف به الملوك الأيوبيون أيام حكمهم لمصر، حيث كانت هذه المنطقة تعج بالحدائق الغنّاء في ذلك الحين.

سليمان الحلبي الكردي يقتل كليبر في القاهرة 1800م  (7)

في شهر حزيران من عام 1800 قام البطل الكردي سليمان الحلبي بقتل كليبر قائد الجيش الفرنسي والحاكم العام بمصر بعد عودة نابليون إلى فرنسا.

ولد هذا البطل الكردي المدعو سليمان محمد أمين أوس قوبار من عائلة عثمان قوبار والمشهور بلقب سليمان الحلبي عام1777 في قرية كـُوكـَانْ فوقاني “الجَزْرُونِيَّة ” ( التابعة لمنطقة عفرين في الشمال الغربي من مدينة حلب ) .

نشأ بحلب، ثم أرسله والده عام 1797م إلى القاهرة ليتلقى تعليمه بالأزهر الشريف. وهناك توطّدت صلته بأستاذه الشيخ أحمد الشرقاوي .. الذي رفض الاستسلام للغزوة الفرنسية .. مساهماً في إشعال فتيل ثورة القاهرة الأولى يوم 21 أكتوبر 1798. وكان سليمان الحلبي بجانب أستاذه الشيخ الشرقاوي عند اقتحام جيش نابليون أرض الجيزة، ثم أرض ( المحروسة ـ القاهرة ).

وراح الغزاة الفرنسيون يذيقون الشعب المصري الويلات .. لذلك أججوا (ثورة القاهرة الأولى) ضد الغزاة انطلاقاً من منطقة الجامع الأزهر . ورَدَّ عليهم الغزاة بقذائف مدافعهم التي نالت من قدسية ( المسجد الأكبر ) ، ودنسته خيول الغزاة باحتلاله .. وحكموا على ستةٍ من شيوخ الأزهر بالإعدام ” منهم الشيخ الشرقاوي أستاذ سليمان الحلبي ” ، واقتيدوا إلى القلعة، حيث ضربت أعناقهم .. ثم انتشلت أجسادهم إلى أماكن مجهولة .

وبعد تمكن الغزاة من إخماد ثورة القاهرة الأولى، تضاعفت مظالمهم، ولوحق كل مشبوه باسم الجهاد أو المقاومة الشعبية الوطنية المصرية. فاختفى من اختفى، وهرب من مصر من هرب. وكان سليمان الحلبي .. ممن غادروا أرض مصر إلى بلاد الشام بعد غياب ثلاث سنوات، وتوجه إلى مسقط رأسه ( قرية كوكان /عفرين )، فيلتقي بأحد القادة العثمانيين في حلب ( أحمد آغا / وهو من انكشارية إبراهيم بك )، فيأمره بالتوجه إلى مصر لأداء واجبه الإسـلامي الجهادي.. وكلفـه بمهمة اغتيال خليفة بونابرت الجنرال كليبر ..

تابع سليمان الحلبي مسيره حتى وصل إلى القدس، وصلى في المسجد الأقصى في مارس (آذار) عام 1800، ثم توجه إلى الخليل حيث إبراهيم بك ورجاله في جبال نابلس. وبعد عشرين يوماً من إقامته في الخليل، سار في أبريل (نيسان) 1800 إلى غزة في استضافة: ياسين آغا ” أحد أنصار إبراهيم بك ” في الجامع الكبير، وسلمه سليمان رسالة من أحمد آغا المقيم في حلب.. تتعلق بخطة تكليفه بقتل الجنرال كليبر.. نظراً لكون سليمان عنصراً من عناصر المقاومة.. التي تناضل في سبيل تحرير مصر من الغزاة.

وفي غزة.. سَلَّمَ ياسين آغا 40 قرشا إلى سليمان الحلبي.. لتغطية نفقات سفره برفقة قافلة الجمال التي تحمل الصابون والتبغ إلى مصر، وليشتري سـكيناً من محلةٍ في بلدة غزة ( وهي السكين التي قتل بها سليمان، الجنرال كليبر ).

استغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام، وانضم سليمان ثانية إلى مجموعة طلاب الأزهر الشوام المقيمين في ( رواق الشوام )، وكان منهم أربعة مقرئي القرآن من فتيان فلسطين أبناء غزة، هم: محمد و عبد الله و سعيد عبد القادر الغزي، وأحمد الوالي. وأعلمهم عزمه على قتل الجنرال كليبر، وأنه نذر حياته للجهاد في سبيل تحرير مصر من الغزاة.. وربما لم يأخذوا كلامه على محمل الجد.

وفي صباح يوم 15 يونيو 1800.. توجه سليمان الحلبي إلى ( بركة الأزبكية)؛ حيث يقيم الجنرال كليبر، وبعدما فرغ كليبر من تناول الغداء في قصر مجاور لسكنه ومعه كبير المهندسين الفرنسيين قسطنطين بروتاين.. وكان سليمان قد دخل حديقة القصر، وتمكن من طعن الجنرال كليبر بسكينه أربع طعنات قاتلة. وتمكن كذلك من طعن كبير المهندسين ست طعنات في أماكن مختلفة من جسمه..

شاء القدر أن يقبض عليه، وأجريت له محاكمة عسكرية فرنسية قضت بإعدامه صلبا على الخازوق، بعد أن تحرق يده اليمنى، ثم يترك طعمة للعقبان، ونفذ فيه ذلك، في تل العقارب، يوم 18 حزيران 1800م . وبقي جثمانه على الخازوق عدة أيام .. تنهشه الطيور الجوارح، والوحوش الضواري، وعلقت إلى جانبه رؤوس ثلاثة من علماء الأزهر- أصلهم من غزة – كان قد أفضى إليهم بعزمه على القتل، ولم يفشوا سره، وتم حرق أجسادهم حتى التفحم.

وكان ذلك بعد دفن الجنرال كليبر في موضع قريب من ( قصر العيني ) بالقاهرة.. باحتفال رسمي ضخم.. ثم وضع جثمانه في تابوتٍ من الرصاص ملفوفٍ بالعلم الفرنسي، وفوق العلم سكين سليمان الحلبي المشتراة من غزة. وقد حمل إلى باريس، عظام الجنرال كليبر في صندوق، وعظام سليمان الحلبي في صندوق آخر.

وعند إنشاء متحف ( انفاليد ـ الشهداء ) بالقرب من ( متحف اللوفر ) في باريس، خصص في إحدى قاعات المتحف اثنان من الرفوف: رف أعلى.. وضعت عليه جمجمة الجنرال كليبر، ورف أدنى تحته.. وضعت عليه جمجمة سليمان الحلبي، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: جمجمة المجرم سليمان الحلبي. والجمجمتان لا تزالان معروضتين في ذلك المتحف إلى اليوم. ولا زال الخنجر الذي طعن به كليبر محفوظاً في مدينة كاركاسون بفرنسا.

وهكذا قدم الحلبي حياته رخيصة من أجل الأخوة العربية – الكردية، وكان بطلاً حقيقياً، وفتى من شهداء الإسلام والحرية والوطنية (43).

الهوامش:

(40) أحمد الخليل: مشاهير الكرد في التاريخ الإسلامي، أحمد أمين، موقع سما كرد.

(41) حلمي أحمد شلبي:الأقليات العرقية في مصر في القرن التاسع عشر، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1993.ص11، 12،13، 14، 18

(42) صلاح بدر الدين: موضوعات كردية،109.

(43) المعجم الجغرافي السوري المجلد الثاني صفحة 668 . 2 – أهالي قرية كوكان ( أحفاد عمومة الشهيد سليمان محمد أمين أوس قوبار ( الحلبي ). الجبرتي:3/116-134، تاريخ الحركة القومية للرافعي:2/193، محمد مسعود وعزيز خانكي، في الأهرام 4و 5 يولية 1939، والكافي لشاروبيم: 3/263، الأعلام: 3/133، ربحان رمضان في الحوار المتمدن( الإنترنت)، ع(1091)، 27/ 1/2005

 

محمد علي باشا الكبير يؤسس مصر الحديثة (8)

إن أغلب المصادر التي تناولت سيرة محمد علي باشا الكبير تذكر بأنه من جذور تركية أو ألبانية؟ لكن الحقيقة التاريخية الصائبة تؤكد كردية هذا القائد الكبير، من خلال ما اعترف به أحفاده فيما بعد، ففي عام 1949 صرح حفيده الأمير محمد علي – ولي عهد الملك الفاروق ملك مصر آنذاك- لمجلة ” المصور” المصرية في مقابلة أجراها معه أديب مصر الكبير عباس محمود العقاد بقوله: إن جدهم محمد علي باشا كردي الأصل تعود جذوره إلى مدينة ديار بكر عاصمة كردستان تركيا، وأكد ذلك أيضاً الأمير حليم أحد أحفاد محمد علي باشا، وقد نشرت هذه الاعترافات تحت عنوان” ولي العهد حدثني عن ولي النعم…” نشر في مجلة ( المصور) المصرية عام 1949 وذلك بمناسبة مرور مائة عام على وفاة مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا، وقد جاء في متن المقال ما نصه:

” … وقال سموه في أمانة العالم المحقق: لا أعلم ولا أبيح لنفسي الظن فيما لا أعلم، ولكني أحدثكم بشيء قد يستغربه الكثيرون عن نشأة الأسرة العلوية ( المنسوبة لمحمد علي)، فإن الشائع أنها نشأت على مقربة من قولة في بلاد الأرناؤوط (ألبانيا)، ولكن الذي اطلعت عليه في كتاب ألفه قاضي مصر على عهد محمد علي أن أصل الأسرة من ديار بكر في بلاد الأكراد، ومنه انتقل والد محمد علي وإخوانه إلى (قولة)، ثم انتقل أحد عمّيه إلى الآستانة، ورحل عمه الثاني في طلب التجارة، وبقي والد محمد علي في قوله. وقد عزز هذه الرواية ما سمعناه منقولاً عن الأمير حليم (أحد أحفاد محمد علي) أنه كان يرجع بنشأة الأسرة إلى ديار بكر في بلاد الأكراد” (44).

ويعلق العقاد على هذا الكلام بقوله: “حسب بلاد الأكراد شرفاُ أنها أخرجت للعالم الإسلامي بطلين خالدين: صلاح الدين ومحمد علي الكبير، وقد تلاقيا في النشأة الأولى، وفي النهضة بمصر، وفي نسب القلعة اليوسفية إليهما ( قلعة القاهرة)، فهي بالبناء تنتسب إلى صلاح الدين، وبالتجديد والتدعيم تنسب إلى محمد علي الكبير”. وفيما يلي لمحة موجزة عن حياة محمد علي باشا باني مصر الحديثة:

هو محمد علي باشا ابن إبراهيم آغا (1769-1849م): والي مصر، وباعث نهضتها المعاصرة، ومؤسس الأسرة الخديوية بها، ولد في قوله من أعمال الرومللي ( اليونان) سنة 1769م، توفي والده وهو فتى، فكفله عمه طوسون آغا، ثم قتل، فكفله رجل من أصدقاء والده، فرُبِّيَ أميّاً لا مرشد له إلا ذكاؤه الفطري وعلوّ همّته، وكان يجاهر بذلك ويفاخر به.

كان محمد علي وكيل الفرقة العسكرية التي حشدت من ( قوله) مع الجيش العثماني الذي جاء إلى الديار المصرية لإخراج الفرنسيين منها ( 1798-1801)، ولما انهزم الجيش العثماني في موقعة أبي قير سنة 1799، سافر رئيس تلك الفرقة إلى بلاده، وأقام محمد علي مقامه، ورقّي إلى رتبة بكباشي.

بعد خروج الفرنسيين من مصر1801م، طلب العسكر توليته على مصر حينما ضاق المصريون ذرعاً بحكم الوالي خورشيد باشا، فبعث السلطان العثماني بفرمان بتوليته على الديار المصرية وكان ذلك سنة 1805م.

قام أولاً بإنهاء سطوة المماليك في مصر، فدعاهم إلى القلعة لتوديع ابنه طوسون باشا الذي سيّره لقتال الوهابيين في الحجاز، وبعد أن اجتمعوا في القلعة، أغلق الأبواب، وقتلهم عن بكرة أبيهم إلا واحداً تمكن من الفرار. واستطاع استأصال شأفتهم في اليوم التالي سنة 1811م، ولما انقضى أمر المماليك وجه عنايته إلى إصلاح القطر المصري، واسترضاء الدولة العثمانية، ففتح السودان 1821-1823م، وأخمد ثورة الوهابيين في الحجاز بقيادة ابنه طوسون إلى الجزيرة العربية عام 1811، وحملة إبراهيم باشا التي قضت عام 1818 على الدولة السعودية الأولى ( 1774-1818)، وساعد العثمانيين على إخماد ثورة اليونان.

وقام ببناء جيش نظامي، وبناء السفن الحربية، وتحسين ميناء الإسكندرية، وبناء الجسور، وعمل الأسلحة الحربية، وترقية الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم، واستعان بالأجانب ،وبخاصة الفرنسيين، وعمل المصانع لنسج القطن والحرير، وإيصال المياه إلى الإسكندرية، وبناء سد أبي قير، والقناطر الخيرية لتي لولاها لما أمكن زراعة القطن في الوجه البحري، وإرسال البعثات العلمية لأوروبة، وتأسيس المدارس.

ولم يكتف بما ناله من الملك في مصر، بل طمح إلى الاستيلاء على سورية، وجهّز جيشاً بقيادة ابنه إبراهيم باشا للاستيلاء عليها، وكان له ذلك، وطمع بفتح الأناضول، ففتح أضنه وقونية وكوتاهية 1833، وصارت أبواب استانبول مفتوحة أمام إبراهيم باشا، وهددت عاصمة الخلافة في تركيا، لكن الدول الأوروبية وقفت أمام طموحاته، فقام بالجلاء عن جميع فتوحه بمقتضى معاهدة لندن1841، وقررت أن تكون ولاية مصر له ولذريته من بعده، ويخرج من بقية سورية، وعاد ابنه إبراهيم باشا إلى مصر، وصرف همه إلى إصلاح البلاد المصرية والنهوض بها، وأدخل بها إصلاحات كثيرة في جميع نواحي الحياة.

لكن دماغه كان قد كلّ وتولاه الاختلال، وصار يحسب الذين حوله خونة يقصدون الإيقاع به، فأعطيت السلطة لابنه إبراهيم باشا سنة 1848م. وتوفي بالإسكندرية سنة 1849م، ودفن بجامع القلعة، ولم تطل ولاية إبراهيم باشا سوى سبعين يوماً فتوفي قبل أبيه وهو في الستين من عمره، وخلفه في الولاية حفيده عباس الأول.

وفيما يلي أعضاء الأسرة الخديوية العلوية التي حكمت مصر( أبناء وأحفاد محمد علي باشا ) من عام 1805-1952م:

 

القادة العسكريون والإداريون الكرد في عهد محمد علي باشا وأسرته

لقد اعتمد محمد علي باشا بشكل رئيسي على القادة الكرد في تثبيت ولايته على مصر، وهذا يدل دلالة قاطعة على حبه لأبناء جلدته الكرد أولاً، ومدى الإخلاص والوفاء الذي اشتهر به الكرد ثانياً، ومن هؤلاء القادة الكرد الذين خدموا بمعيته وبمعية حفدته فيما بعد:

كان قائداً كردياً من الطراز الأول، والساعد الأيمن لمحمد علي باشا في تأسيس دولته، والقضاء على فوضى المماليك بمصر.

كان الفتى حجو= حاجو يبلغ الخامسة عشرة من عمره في مسقط رأسه (وان) في كردستان تركيا حينما طلب السلطان سليم الثالث العثماني من حكام الأقاليم والبلاد جمع أبناء الأعيان وزعماء القبائل وإرسالهم إلى الآستانة لتعليمهم فنون الحرب والأنظمة العسكرية الحديثة، فكان من حظ هذا الفتى السفر إلى الآستانة، ثم أدرنة، والانخراط في سلك الجيش النظامي الحديث، ولما تخرج حاجو في الجيش برتبة (يوزباشي سواري) كان الشغب ابتدأ بين الانكشارية وبين النظاميين من العسكر العثماني، فانتهز الفرصة وعاد إلى مسقط رأسه ( وان) وأخذ يحدث صهره الشيخ عبيد الله بما ظهر في دار الخلافة من فساد الإدارة، وانتشار الفتن والدسائس، فهاله الأمر حينما سمع بذلك، وبينما الأمر كذلك إذا يخبَر بنزول الفرنسيين إلى مصر، فكلف اليوزباشي حجو بجمع من يمكن جمعه من الجنود الأكراد الأشداء المجاهدين في سبيل الله والالتحاق بجيش الصدر الأعظم يوسف ضيا باشا المكلف بالزحف على مصر وطرد الفرنسيين منها.

فيتم حجو بيك مهمته، ويجمع ألفاً من المجاهدين الأشداء ويُعيّن دليل باشا(بيكباشي) عليهم، ويلتحق بجيش نصوح باشا كقوة غير نظامية. ثم يشترك حجو بيك في جميع الأعمال العسكرية التي حدثت بين الجيش التركي والفرنسي في مصر.

ولما ارتد الجيش التركي أمام الجيش الفرنسي بقيادة ( كليبر) إلى الخانكة سنة 1800م، كان حجو يحمي مؤخرة الجيش العثماني المرتد.

ثم يختفي ذكر حجو بيك وجيشه حتى يظهر فيما بعد في أوائل عهد محمد علي باشا الذي كان معجباً به، ومقدِّراً لفضله في الحروب، وتدبير الأمور، حتى سماه( يلديرم حجو= حجو الصاعقة) لأنه أنقذ القاهرة من غارة المماليك عليها على حين غرة، كما هو مبسوط في تاريخ الجبرتي، ويصبح الساعد الأيمن لمحمد علي باشا في تأسيس دولته، والقضاء على فوضى المماليك بمصر(45).

 

وهوالمشير شاهين باشا ابن علي آغا الكردي الأصل المعروف بلقب”كنج”، وزير الحربية المصري في عهد محمد علي باشا .

أخذه والده إلى مصر في عهد واليها محمد علي باشا، فدرس في المدرسة العسكرية ( سان سير) في باريس، والتحق بالجيش المصري، وتوجه مع هذا الجيش إلى الحجاز لتأديب الوهابيين، وهناك أظهر شجاعة فائقة، وتقدم شيئاً فشيئاً في عهد عباس باشا وسعيد باشا. ورفع إلى رتبة قائم مقام في عهد الوالي عباس باشا الأول. وحارب في القرم سنة 1853 – 1855م مع الحملة المصرية التي أرسلت لإسناد الجيش التركي، ورفع إلى رتبة ( ميرآلاي ) سنة 1855م.

عيّن محافظاً للقاهرة سنة 1866، وأوفده الخديوي إسماعيل في تلك السنة ضمن بعثه عسكرية إلى فرنسا، ورفّع إلى رتبة فريق، وحضر استعراضاً عسكرياً أقامه الإمبراطور نابليون الثالث في باريس بمناسبة عودة الكتيبة السودانية التي أرسلت مع الجيش الفرنسي إلى المكسيك 1867. وأوفد إلى السودان في هذه السنة نفسها للتحقيق في تمرد الجيش السوداني في كسلا وسواكن .

عين وزيراً للحربية المصرية سنة1869. وزار السودان مرة ثانية سنة 1871م لتفتيش السودان الشرقي. ثم أسندت إليه سنة 1875 إدارة سكة حديد السودان التي قرر مدّ خطوطها من وادي حلفا إلى دنقلا.

تدرّج في الرتب العسكرية حتى نال رتبة مشير، وتولى وزارة الحربية في وزارة محمد شريف باشا 1879، وفي هذه السنة خلع الخديوي إسماعيل فذهب معه إلى نابولي بإيطاليا، وهناك أدركته الوفاة سنة 1884م، ونقل جثمانه إلى مصر ودفن هناك(46).

وهو المعروف بالجندي، كان ضابطا كردياً التحق بخدمة محمد علي باشا والي مصر، واشترك في حرب السودان. كان مديراً سنة 1835، وسنة 1836 – 1838. توفي بمصر سنة 1839م(47) .

وهو محمد بن إسماعيل بن علي الكردي المشهور بتيمور كاشف، كان من خاصة محمد علي باشا، وهو جد الأسرة التيمورية المعروفة في مصر. وهو من سلالة كردية كانت تسكن بلدة ” قره جولان ” في كردستان العراق. فارقها إثر خصام وقع بينه وبين أخيه والتحق بالجيش العثماني .

نزل مصر بعد انسحاب الفرنسيين منها سنة1801، فوقع بينه وبين محمد علي باشا صداقة وألفة، حتى صار من خاصته، واعتمد عليه في كثير من شؤونه. مثل حادثة الفتك بالمماليك في القلعة. وَلِيَ أعمالاً عسكرية وإدارية عدة في مصر. ولما استولى محمد علي باشا على الحجاز ولاه إمارة المدينة المنورة مدة خمس سنوات 1837م، وكان آخر منصب إداري شغله في مصر منصب كاشف الشرقية. ومن هنا اشتهر باسم ( تيمور كاشف)، بعد خدمة ربت على الأربعين سنة.

كان محمد علي باشا يدعوه إلى قصره بشبرا ويخاطبه بكلمة ( اقداش ) أي الأخ أو الرفيق. وكان على جانب كبير من التقوى، عادلاً في حكومته، مع شيء من الشدة، ومثقفاً يعرف الكردية والتركية والفارسية والعربية، حيث كان لثقافته تأثير كبير في نشأة ابنه ( إسماعيل باشا تيمور)، وحفيدته ( عائشة عصمت) نشأة أدبية. توفى عن عمر ناهز الثمانين عاماً 1848م، ودفن بجوار مقام الإمام الشافعي بالقاهرة(48).

هو إسماعيل رشدي باشا ابن محمد بن إسماعيل بن علي تيمور الكاشف، الكوراني، الكردي: من كبار موظفي أسرة محمد علي باشا في مصر. نشأ في رغد من العيش، ومال منذ صغره إلى الاشتغال بالعلوم والآداب. تعلم التركية والفارسية، وبرع في الإنشاء التركي براعة بزّ بها أقرانه، فأعجب به محمد علي باشا واتخذه كاتباً خاصاً، ثم جعله وكيلاً لمديرية الشرقية، فمديراً لبعض المديريات، كان آخرها الغربية أكبر ولايات مصر .

ثم عاد إلى الديوان، وعمل رئيسا للجمعية الحقانية في زمن إبراهيم باشا، ثم رقي في ولاية عباس باشا إلى وكالة ( ديوان كتخدا ). ثم ناظراً على خاصته (الدائرة الآصفية). ورئاسة الديوان في عهد محمد سعيد باشا 1275هـ . ثم ناظراً لخاصة ولي العهد محمد توفيق باشا مدة ستة أشهر حتى فاجأه أجله سنة 1882م. أما خلقه، فالحلم والتواضع مع الشدة، وفصاحة اللسان، والشغف بالعلم والعلماء، وكان مولعاً بالمطالعة، شغوفاً باقتناء الكتب. من أولاده النجباء: الشاعرة عائشة التيمورية، والعلامة أحمد تيمور باشا(49).

هو إسماعيل حقي باشا بن سليمان بن أبي بكر المشهور بلقب( أبو جبل): علمدار السلطان محمود خان من ولاية معمورة العزيز في الأناضول. من أسرة كردية الأصل .

كان والده قائم مقاماً لبلدته، ولد سنة 1818م. وأرسله والده إلى مصر سنة 1833، وألحق بمدرسة القلعة الحربية، وتخرج فيها بعد سنتين، فانتظم في سلك الجيش وحارب في الحجاز في حملة إبراهيم باشا ضد الوهابيين. أبدى شجاعة وإقداماً حتى لقب بأبي جبل، وجرح هناك.

عاد إلى مصر فشغل وظائف متعددة. ورقي إلى رتبة لواء سنة 1850، وعيّن مديراً لقنا وأسنا. ونقل سنة 1852م حاكماً عاماً للسودان خلفاً لرستم باشا. وفي سنة 1854م حارب في القرم قائداً للواء المصري أمام سباستويول، ثم أسندت إليه القيادة العامة للحملة المصرية .

عاد إلى مصر سنة 1857م، وعين رئيسا لمجلس طنطا، فقائداً للمشاة، وأحيل على المعاش، لكنه أعيد عضواً بمجلس الأحكام، وعهدت إليه بعد ذلك مهمة قمع فتن عرب الفيوم والواحات.

عاد مديراً لقنا وأسنا، فرئيس المجلس العسكري بمصر 1863م، فمديراً للغربية. ورفع إلى رتبة فريق، وعيّن عضواً بمجلس الأحكام، فمأمور عموم الملاحات 1867، فمحافظاً لمصر. وأعيد عضواً بمجلس الأحكام سنة 1874، وأصبح وكيلاً للمجلس سنة 1875، فأمين عموم بيت المال 1876، فرئيس مجلس الأحكام 1879، حتى إحالته على التقاعد 1879 .

وقد لازم الخديوي توفيق، وحضر المجلس الذي عقده في قصر رأس التين بالإسكندرية لمعالجة موضوع الثورة العرابية سنة 1882م قبل ضرب الأسطول البريطاني للقلاع . توفي يوم 25 نيسان 1883م (50).

هو علي رضا بيك المعروف بالكردي(1814 – 1890م ): ضابط عسكري وإداري في مصر والسودان. قدم إلى السودان مع أبيه في الحملة المصرية بقيادة إسماعيل كمال ثالث أبناء الوالي محمد علي باشا سنة 1820، وانتمى إلى الجيش وهو غلام يافع، فلم يلبث أن أصبح ” بلوك باشي ” أي ضابطاً في القوات غير النظامية، وقد عهد إليه جباية الضرائب في المنطقة الشرقية للنيل الأزرق، فقام بتلك المهمة سنوات عديدة .

رفع إلى رتبة سنجق التي تعادل أمير لواء سنة 1865، وقام بحركات عسكرية في سوق أبي سن بإمرة حاكم السودان العام، ثم عدلت رتبته إلى قائم مقام، وعيّن حاكما لمقاطعة النيل الأبيض سنة 1866 – 1871م. حوكم بتهمة إساءة استعمال السلطة، ثم برئت ساحته. فأعيد إلى وظيفة حاكم النيل الأبيض سنة 1875 م. وأخمد تمرد الشلّوك. ونشبت ثورة المهدي فاشترك في مكافحتها في الجزيرة. وحوصر في الخرطوم سنة 1884م، لكنه استطاع النجاة، وتولى بعد ذلك إمرة قوة غير نظامية لحماية حدود مصر الجنوبية في أثناء ثورة السودان، حتى أحيل على التقاعد 1890. وتوفي بالقاهرة سنة 1890م(51).

مشاركة عبر :

نشاطات دات صلة

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب المغرب…

المزيد

كل نوروز والشعب الكردي بألف خير

يطل علينا عيد نوروز والشعب الكردي يحتفل به في كافة اجزاء كردستان والمهجر. نهنىء شعبنا في كل مكان بهذا العيد القومي ونتمى النصر والسعادة لهم.…

المزيد

حلبجة الجريحة وسام على جبين الكرد

حلبجة أمُنا التي لا زالت تئن حلبجة تراجيديا شعب استنشق غاز الموت ليثبت للعالم أن زعيم دولتهم ظالم ومستبد وجيرانهم منافقين وأحفادهم لقطاء السياسات المنفعية.…

المزيد