“كردستان” أول صحيفة كردية تصدر في مصر
نتيجة للتفاعل والتواصل المصري – الكردي أصدر الأمراء البدرخانيون المهاجرون من كردستان تركيا بعد ثوراتهم العديدة إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر وخصوصاً الأمير مقداد مدحت باشا حفيد بدرخان باشا أول صحيفة كردية في مدينة القاهرة باسم” كردستان ” وذلك بتاريخ 22 نيسان عام 1898م ، وصار هذا اليوم فيما بعد، عيداً للصحافة الكردية، إذ غدا حدثاً بارزاً في تاريخ الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية الكردية.
وتم نشره الجريدة بالتعاون مع شقيقه عبد الرحمن بك بدرخان، وكان صدورها بمبادرة شخصية منه، لإدراكه بأهمية الصحافة في مجال التوعية لحياة شعب مضطهد محروم، وقد استمرت بالصدور حتى 14 نيسان 1902، في حدود (31 ) عدداً.
وتعد هذه الجريدة حجر الأساس للصحافة القومية، وغدت آنذاك الجريدة المعبرة عن أيدلوجية الحركة الكردية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكتبت مقالاتها بلغة كردية جميلة سلسة وباللهجة الكرمانجية الشمالية ” لهجة جزيرة بوتان “. وكانت تصدر نصف شهرية، في أربع صفحات. وتناولت في صفحاتها شتى الموضوعات السياسية والأدبية والفكرية التي تهدف إلى تثقيف الشعب الكردي، والانتباه إلى حقوقه القومية، ونالت شهرة واسعة ومرموقة في وسط المهاجرين الكرد والأرمن على حد سواء.
واشتهرت الجريدة في دمشق، وغدت نقطة انطلاق لتوزيعها في جميع أرجاء كردستان، وبالأخص في كردستان الجنوبية، وكانت السلطات العثمانية تحظر توزيع هذه الجريدة، فكانت ترسل إلى هناك بالطرق السرية. وكان قسم من هذه الأعداد يرسل إلى أوروبا ويوزع على المغتربين الكرد، وعلى الأوروبيين المهتمين باللغة الكردية وآدابها.
وفي مرحلة صدور الجريدة في القاهرة، كان لها هدف تنويري بحت، وهو نشر التعليم بين الكرد وتطوير ثقافتهم. ولقد جاء بقلم مقداد مدحت بدرخان في ملحق العدد الأول باللغة الفرنسية:” أصدرت هذه الجريدة، وقد وضعت نصب عيني هدف ترسيخ الاهتمام والحب في نفوس أبناء قومي إزاء التعليم، ولأمنح الشعب فرصة التعرف على حضارة العصر وتقدمه، وكذلك على أدبه… حيث أنا في مصر أريد أن أرى في كردستان النظام. ولا أبغي من صدور هذه الجريدة سوى خدمة مصالح شعبي وسعادته، ورفع المستوى الثقافي لبني جلدتي”.
كما دعا فيها إلى توثيق العلاقات بين الشعبين الأرمني والكردي بما فيها من منفعة لمستقبلهما.
ونتيجة لبعض العوامل السياسية غيّرت الجريدة مراراً مركز إصدارها، فقد طبعت الأعداد الثلاثة الأولى في مطابع ” الهلال” بالقاهرة، أما العددان الأخيران فقد كانا مذيّلين بعبارة: تصدر الجريدة في مصر وتطبع في مطبعة جريدة ” كردستان”. ثم انتقل مركز الجريدة إلى جنيف وفتح مرحلة جديدة في تاريخها. وهناك تابع شقيق المحرر عبد الرحمن بدرخان إصدار الجريدة. وطبعت في مدن فولكستون ولندن، ثم في استانبول تحت إشراف ثريا بدرخان.
وأخيراً صدرت هذه الجريدة في كتاب خاص تحت عنوان ” كردستان أول جريدة كردية 1898-1902″، من جمع وتقديم الدكتور كمال فؤاد بالحجم الكبير في (104) صفحات. علماً بأن الجريدة محفوظة الآن في المكتبة الحكومية بمدينة (ماربورك) بألمانيا الغربية(54).
مصر ملجأ أحرار الكرد
عندما أسس الكماليون تركيا الحديثة أصدروا فرمانا بنفي البدرخانيين الأكراد من تركيا عام 1922، فالتجأ الأمير أمين عالي بدرخان ونجله الأكبر(ثريا) إلى مصر، واستقر في القاهرة حتى توفي بها عام 1926 .
وكان الأمير أمين عالي بدر خان رجلاً وطنياً وقومياً معروفاً، حاول تحقيق أهداف بني قومه في الحرية والاستقلال. وكان لجهود ولديه الأميرين جلادت وكاميران ونضالهما دور كبير في خدمة اللغة والثقافة والقضية الكردية (55 ).
وفي القاهرة قام الأمير ثريا أمين عالي بدرخان(1883-1938م)، بدور كبير في خدمة القضية الكردية، فكان يتنقل من أجل ذلك من القاهرة إلى دمشق وحلب والعواصم الأخرى. وكان له الفضل في إصدار جريدة ” كردستان” بمدينة استانبول بعد عمّيه ( مقداد مدحت، وعبد الرحمن بك) بعد صدور الدستور العثماني عام 1908، وفي القاهرة في أعوام 1916-1917. وكان يكتب في هذه المجلة تحت اسم مستعار هو ” أحمد أزيزي “.
وفي عام 1920 أسس في القاهرة ( جمعية الاستقلال الكردي) بمؤازرة الطلاب الأكراد المقيمين في القاهرة وممن يدرسون في الجامع الأزهر.
وترجم كتابه وطبع في القاهرة من الفرنسية إلى العربية وهو ” القضية الكردية ـ ماضي الكرد وحاضرهم” المنشور باسمه المستعار (د. بله ج شيركوه)، من قبل المرحوم محمد علي عوني عام 1930(56).
كما عاش في مصر المترجم والباحث الكردي محمد علي عوني السويركي، المولود في مدينة ” سويرك ” من أعمال ديار بكر في كردستان تركيا 1897.
وقد قصد مصر لإكمال دراسته الدينية في الأزهر الشريف، ونال شهادته العالية. وحاول الرجوع إلى وطنه لكن السلطات التركية منعته بسبب أفكاره القومية، فبقي في القاهرة. فعمل مترجماً ” للغات الشرقية ” في قصر عابدين لدى الملك فاروق، وعهد إليه مهمة الإشراف على مكتبة القصر الملكي في القاهرة، وحفظ الفرمانات والوثائق التاريخية الرسمية التي يعود تاريخها إلى عصر محمد علي باشا.
وبحكم وظيفته واطلاعه الواسع أصبح حجة في تاريخ الأكراد وقضيتهم. فكان أحد مؤسسي جمعية ( خويبون ) الكردية في القاهرة وسورية بالاشتراك مع أبناء بدرخان. وكانت داره في القاهرة محجاً للطلبة الأكراد يتزودون منه العون والإرشاد والمعرفة .
وكان يجيد اللغات الكردية والفارسية والتركية والعربية، ويحسن الفرنسية. لذلك أصدر في مصر أول ترجمة عربية لأمهات الكتب الكردية مثل ” خلاصة تاريخ الكرد و كردستان ” نشره عام 1939. و ” تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي ” نشره عام 1948. و” مشاهير الكرد ” عام 1947، وهي من تأليف العلامة الكردي العراقي محمد أمين زكي. كما ترجم ” الشرفنامة ” من الفارسية إلى العربية لشرف خان البدليسي في جزأين، طبعته وزارة التربية والتعليم المصرية بعد وفاة المترجم. كما وضع رسالة عن” العائلة التيمورية” الكردية في مصر، وله دارسات ومقالات عديدة حول القضية الكردية .
توفى محمد علي عوني بالقاهرة عام 1952. وفقد الشعب الكردي برحيله أحد أبنائه البررة العظام المناضلين بصمت وتواضع في سبيل تحقيق ما يصبو إليه من حياة حرة كريمة(57).
رواق الأكراد بالأزهر الشريف
كان للأكراد رواق في الأزهر الشريف خاص بالطلبة الكرد، وكان له أوقاف قديمة ترجع إلى نحو ثلاثمائة سنة، والرواق عبارة عن مكان واسع، يضم عدداً من الغرف للطعام والمنام، ومكتبة، والطلبة يحصلون على الطعام والكساء من الأغنياء والمحسنين، ومن الأوقاف المسجلة عليه.
يقال إن الأميرة الكردية ( خاتون خان) من الأسرة الأيوبية وقفت ثروتها في خدمة العلم والدين وإنشاء المدارس، ومن وقف هذه الأميرة أنشئ رواق الأكراد في الجامع الأزهر منذ مئات السنين، وتخرج فيه مئات العلماء من كرد كردستان (العراق، تركيا، سوريا، إيران، روسيا)، وكانوا بحق من ضمن من نشروا الدين واللغة العربية في تلك البلاد. وكانت له أوقاف متمثلة ببعض المنازل والمحال التجارية في مدينة القاهرة، يعود أجورها بالفائدة لرواق الأكراد(58). وكانت له مكتبة قيمة وقفها أهل الخير على الطلبة الأكراد، ضمت إلى مكتبة الأزهر العامة في سنة 1897.
ومن الذين تولوا مشيخة هذا الرواق الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الذوقي الكردي الأزهري، نسبة إلى حصن الذوق إحدى نواحي ولاية (بدليس = بتليس) بالكردستان التركي الآن. ولد بها سنة 1277هـ /1860م، ثم قدم مصر لإتمام تحصيله بالأزهر الشريف، فمنعه شيخ رواق الأكراد بالأزهر حينئذ من الانتساب إلى الرواق، بحجة أنه حنفي المذهب، والكردي في زعمه يجب أن يكون شافعيا ً. وهكذا لبث إحدى عشرة سنة يجالد ويكافح إلى أن تمكن من الانتساب إلى رواق الأكراد في (25 ربيع الآخر 1313هـ)، واليه ينسب الفضل في فتح باب الرواق لعموم الأكراد. ثم عيّن إماماً بمسجد الرواق العباسي بداخل الأزهر. وتولى مشيخة الرواق وأصبح ناظراً على أوقافه.
وآخر من وقف على الرواق الكردي والتركي من رجال الدولة العثمانية الفريق إبراهيم أدهم باشا الأورفلي المصري من عشيرة الملية الكردية الضاربة في شرق وجنوب ( الرها = أورفا ) بالكردستان التركي.
وقد توفي شيخ رواق سنة 1940م، بعد أن قضاها في العبادة وخدمة العلم، وأنجب أولاداً نبهاء جادين في أعمالهم في خدمة الحكومة المصرية(59).
وممن تولوا مشيخة الرواق الشيخ عمر وجدي بن عبد القادر الكردي المارديني، المصري(1901-1991م)، الفقيه، المتكلم، الزاهد. المولود بماردين في كردستان تركيا، وقد رحل إلى مصر، والتحق برواق الأكراد بالأزهر الشريف، وتلقى العلم عن الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، والشيخ محمد زاهد الكوثري وغيرهما وأجازوه بما لهم وعنهم.
عمل مترجما ً في الإذاعة المصرية باللغة التركية، كما عمل شيخا ً لرواق الأتراك والأكراد والبغداديين بالأزهر(60).
وقد أقفل الرواق لأسباب غير معروفة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بعكس الأروقة الأخرى التي ما زالت قائمة إلى اليوم، ويطالب الأكراد الآن بإعادة فتح رواق الأكراد الذي أقفل تحت ضغط بغداد ودمشق ليعود إشعاع الأزهر الشريف مرة أخرى في ربوع كردستان.
أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب…
المزيدالتحالفات الكردية- المصرية خلال القرن التاسع عشر أولاً: تحالف الأمير بدرخان مع إبراهيم باشا المصري استطاع أمير بوتان بدرخان بن عبدال خان الاستقلال بإمارته عن…
المزيدمحمد علي باشا الكبير يؤسس مصر الحديثة إن أغلب المصادر التي تناولت سيرة محمد علي باشا الكبير تذكر بأنه من جذور تركية أو ألبانية؟ لكن…
المزيد