الأكراد الأردنيون ودورهم في بناء الأردن الحديث

الأكراد الأردنيون ودورهم في بناء الأردن الحديث

يوجد في الأردن اليوم أقلية كردية يقدر عددها بحوالي ثلاثين ألفاً، وهذا الرقم يشمل كرد الأردن الذين استقروا على الأرض الأردنية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، والربع الأول من القرن العشرين، وأكراد فلسطين الذين لجؤوا إلى الأردن بعد نكبتي 1948, 1967م .

تشير المصادر التاريخية إلى أن الكرد استقروا في الأردن منذ بداية العصر الأيوبي، ثم العصور اللاحقة خلال العهد المملوكي، والعثماني،والعصر الحديث. فقد استوطن الكرد مدينة السلط – تقع غربي عمان – منذ أوائل العصر الأيوبي، ولا تزال محلتهم ( حارة الأكراد) قائمة إلى اليوم في هذه المدينة، وتحمل اسم الكرد وتبقى رمزاً معروفا كأحد أقسام مدينة السلط الجغرافية والتاريخية والعشائرية، وتنسب نصف عشائر السلط إلى هذه المحلة ويعرفون بها(الأكراد).

يسكن الكرد اليوم في العديد من المدن والقرى الأردنية، وشكلوا مع الزمن جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الأردني، وساهموا بشكل كبير مع بقية الأردنيين في بناء وطنهم (الأردن الحديث)، الذي شاده المغفور له الملك عبد الله بن الحسين – طيب الله ثراه .

وهناك جملة عوامل أسهمت في انسجام الأكراد مع الأردنيين، من أبرزها تشابه العادات والتقاليد، والدين الواحد وهو الإسلام، والقرب الجغرافي بينهما، فكردستان تجاور وتحاذي وتتداخل مع بلاد الرافدين والشام، وعامل المصاهرة والنسب، والتاريخ المشترك. لكن هذا الانسجام لا يمنع الكرد من القول إنهم يشكلون ( أقلية عرقية) مثل باقي الأقليات الموجودة في الأردن كالشركس والشيشان والأرمن، فأصول الكرد غير عربية، فهم ينحدرون من الجنس الآري، ولهم لغة خاصة بهم من أرومة اللغات الهندو- أوروبية، كما أن الكثير من كرد الأردن لهم أولاد عمومة وأقارب وأصهار في كردستان – موطن أجدادهم- إلى اليوم .

يأتي هذا المقال المختصر ليعرف القارئ الكريم بكرد الأردن الذين همشتهم الدراسات التاريخية والاجتماعية المحلية، وأغفلت ذكرهم عن قصد أو غير قصد،ومن ثم بيان مساهماتهم الكبيرة.

لمحة تاريخية

تشير المصادر التاريخية إلى استقرار الكرد في الأردن منذ بدايات الدولة الأيوبية التي أسسها القائد الكردي الشهير صلاح الدين الأيوبي سنة 1173 م . وقد شكل الكرد عماد جيشه الذين قدموا من كردستان إلى الشام ومصر بدافع الجهاد ونصرة الإسلام ضد الغزو الصليبي . وقد أصبحت شرقي الأردن مسرحاً للصراع الأيوبي- الصليبي، إذ كانت قوات صلاح الدين ترابط وتتجول في المنطقة، فحاصرت قلاع الإفرنج في الكرك والشوبك، كما انطلق بقواته من الأرض الأردنية لمهاجمة مواقع الإفرنج في شمالي فلسطين ووسطها في مواقع كوكب الهوى، ونابلس، والقدس. كما شاد صلاح الدين ( قلعة عجلون) على قمة جبل عوف لمراقبة تحركات الإفرنجة في الغور الأردني.

وأسكن صلاح الدين فرقة من جيشه من (الأكراد الهكارية) في مدينة السلط، وأدّت هذه الفرقة دوراً بارزاً في الحروب الصليبية ما بين سنوات ( 1177 – 1189 م)، ودعيت الحارة التي سكنوها في السلط باسمهم ( محلة الأكراد )، ولا تزال تحتفظ بهذا الاسم إلى يومنا هذا، كما نبغ من الأكراد الهكاريين المقيمين في السلط علماء وقضاة عدة ، كان في طليعتهم عبد الله الهكاري الصلتي ( نسبة إلى الصلت- التي حرفت فيما بعد إلى السلط )، وابنه بدر الدين الصلتي. وقد درس الاثنان في المدرسة السيفية في السلط، كما عمل بدر الدين قاضياً في السلط ، والقدس، ودمشق، وحمص التي توفي فيها سنة 1384 م .

كما انتقل بعض الأكراد الهكاريين من مدينة السلط إلى القدس في العهد المملوكي، وكوّنوا حارة خاصة بهم هناك عرفت باسم (حارة السلطية)، نسبة إلى السلط التي قدموا منها، وفي القدس أصبحوا أئمة المسجد الأقصى المبارك لفترة طويلة من الزمن، ويعرفون اليوم في القدس بعائلة الإمام.

ونعود مرة ثانية إلى العصر الأيوبي، إذ أسس الملك الناصر داود الأيوبي ( توفي 1258 م ) ما عرف بإمارة الكرك الأيوبية سنة 1229 م . ودامت نحو ثمانين عاماً، وكانت تقوم على البقعة الحالية التي تقوم عليها المملكة الأردنية الهاشمية اليوم. واستطاع الناصر داوود بجيشه منازلة الصليبيين وتحرير القدس من قبضتهم مرة ثانية سنة 1239 م. كما نشّط الناصر داوود الحركة العلمية والثقافية في الأردن، فبنى المدارس، وصارت الكرك قبلة الفقهاء والعلماء، ومهدت السبل لنبوغ عشرات الإعلام من المنطقة في العصرين الأيوبي والمملوكي، كعائشة الباعونية، وابن القف الكركي وسواهم من الأعلام. كما ترك الأيوبيون الأكراد في الأردن معالم أثرية بارزة كقلعة عجلون وقلعة السلط التي( دمرت سنة 1840م)، والمسجد الجامع بعجلون، ومسجد ريمون في جرش، وهذه المعالم الأثرية والدينية تدل على قصة جهادهم ضد الإفرنجة،وحبهم للعلم والدين.

وفي العصر المملوكي ( 1260 – 1516 م ) استمر استقرار الكرد في محلتهم في مدينة السلط، ودرس بعضهم في المدرسة السيفية في السلط, كعبد الله الهكاري وابنه بدر الدين, والفقيه الكردي شهاب الدين بن سليمان الكوراني ( توفي 784 هـ ).

وفي العهد العثماني ( 1516 – 1918م )، تذكر السجلات العثمانية وجود محلة للأكراد في السلط سنة 1538 م. ومرة ثانية سنة 1596 م . وهذا دليل يؤكد على استمرار استقرار الكرد في المنطقة بالرغم من هجرة بعض أكراد السلط الهكاريين إلى مدينة القدس في هذه الفترة، أو في فترة لاحقة. وبقيت (محلة الأكراد) في السلط اسماً جغرافياً بارزاً منذ العصر الأيوبي وحتى يومنا هذا. فلم يمر بها رحالة عربي أو أجنبي إلا وذكر (محلة الأكراد) وعشائرها، فعلى سبيل الذكر قال الرحالة السويسري بيركهارت الذي زارها سنة 1812م إن مسلمي السلط يتألفون من ثلاث عشائر : الأكراد، القطيشات، العواملة. كما أشار الباحث الدكتور جورج طريف في كتابه ( السلط وجوارها ) أن المسلمين شكلوا غالبية سكان السلط، وكان من بينهم الأكراد خلال الفترة الممتدة ما بين 1864 – 1921م .

لكن الكرد أخذوا يتوافدون إلى المدن والقرى الأردنية بشكل لافت للنظر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، إذ تعود غالبية العائلات الكردية الموجودة في الأردن إلى هذه الفترة، ومردّ ذلك يعود إلى أن الدولة العثمانية بسطت سيطرتها الإدارية والعسكرية على المنطقة، مما حسّن طرق المواصلات، وأشاع الأمن والنظام، فكان غالبية رجال الدرك والجند والموظفين الإداريين وجباة الأموال المرابطين في المدن والمخافر الأردنية من العنصر الكردي، وهؤلاء إما قدِموا من حي الأكراد بدمشق، أو من مدينة حلب ومنطقة الجزيرة وماردين وديار بكر. وقد تخصص الموظفون الكرد في الأردن في جباية الأموال الأميرية، والتزام الأعشار. وتؤكد ذلك الباحثة الدكتورة هند أبو الشعر في كتابها ” إربد وجوارها 1995 ” أن الجندية والدرك وتحصيل الأموال في العهد العثماني ارتبط بذاكرة الأردنيين بالعنصر الكردي .

وبالإضافة إلى الجندية والدرك، عمل الكثير من الكرد في الوظائف الإدارية والحكومية في مراكز الألوية والأقضية في كل من عجلون والبلقاء والكرك ومعان. كما تزوجت الكثير من الكرديات من حي الأكراد ( الصالحية ) بدمشق من مواطنين أردنيين، حسبما أشارت إلى ذلك السجلات الشرعية العثمانية في إربد وعجلون وعمان وغيرها . كما ازدهرت الحركة التجارية بين الشوام ومدن وبوادي الأردن في أواخر العهد العثماني، فقدم الكثير من التجار الشوام والذين كان من بينهم ( تجار أكراد) من حي الصالحية بدمشق، وتوطن عدد منهم في المدن الأردنية واستقروا بها، لغاية إدارة تجارتهم وتيسير مصالحهم . وبعد هزيمة الأتراك سنة 1918 م عاد الكثير من الموظفين والجند الكرد إلى بلادهم، وبعضهم فضّل الاستقرار في المدن الأردنية واتخذوها موطنا وسكنى .

مشاركة عبر :

معلومات اخرى

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب

أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب   يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب…

المزيد

أكراد الأردن وأسماء عشائرهم

أكراد الأردن وأسماء عشائرهم – عمان: تقيم فيها العائلات والعشائر التالية : سيدو الكردي, وانلي, ظاظا, الكردي, البرازي, زركلي, كرد علي, بابان, جمعة الأيوبي, بدر خان,…

المزيد

الأكراد. . وتأسيس الأردن

الأكراد. . وتأسيس الأردن ساهم كرد الأردن في بناء وتأسيس الأردن الحديث في شتى المجالات والأنشطة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وتركوا بصمات واضحة فيها، حتى…

المزيد