وغالبية أكراد لبنان مسلمون، منهم سنة، والآخرون شيعة مع المتاولة في جنوبي لبنان، ومنهم دروز كآل جنبلاط والمعنيين وآل العماد، وبعضهم تنصر، وفيما يلي لمحة موجزة عن أشهر العائلات الكردية في لبنان :
المعنيون (1516-1697م)
المعنيون هم من سلالة معن بن ربيعة الأيوبي الكردي، كان أجدادهم يعيشون في بلاد فارس ثم في الجزيرة الفراتية، ومنها انتقل جدهم معن بن ربيعة الأيوبي الكردي إلى جبل لبنان في القرن السادس عشر الميلادي، وقد أكد صحة هذا النسب ما ذكره المؤرخ محمد أمين المحبي في كتابه ” خلاصة الأثر” بقوله كان بعض أحفاد فخر الدين المعني يروى عنه أنه كان يقول:” أصل آبائنا من الأكراد سكنوا هذه البلاد”(4)، وأصبح أحفاد هذا الأمير من أشهر حكام جبل لبنان والشوف خلال سنوات 1516-1697م، وعرفوا بأمراء الدروز، وامتد نفوذهم على سائر البلاد اللبنانية، وأجزاء من سورية وفلسطين والأردن، ودان لهم الدروز وتمذهبوا بمذهبهم، ومن أشهر رجالهم الأمير قرقماز، وفخر الدين المعني الأول، وفخر الدين المعني الثاني، وأحمد بن ملحم الذي مات بلا عقب، فانقرضت سلالة المعنيين، وانتقل الحكم إلى الشهابيين بعد مؤتمر السمقانية عام 1697م.
لقد دخل معن الأيوبي لقتال الصليبين في إنطاكية، فظهرت شجاعته واشتهر، إلا أنه لم يظفر، فانهزم ببقايا رجاله سنة 513هـ/1108م إلى الديار الحلبية، وكان فيها الأتابك ظهير الدين طغتكين بن عبد الله،فأمره أن يذهب مع عشيرته إلى البقاع ومنها إلى جبل لبنان، ليشن الغارات على الإفرنج في الساحل، فتوجه إلى هناك وأنزل عشيرته في بلاد الشوف بجبل لبنان، وقويت صلته بالأمير التنوخي ” بحتر” فتحالفا معاً على محاربة الصليبيين، وساعده بحتر على البناء في الشوف وقصدها أهل البلاد التي استولى عليها الصليبون، فصمدت. وأقام معن في بلدة ” بعقلين” واستمر في إمارته إلى أن توفي سنة544هـ/1149م (5).
وقد حكم أبناء معن جبل لبنان والشوف من سنة1516حتى سنة 1697م، وعرفوا ” بأمراء الدروز” ، إذ امتد نفوذهم على ساحل البلاد اللبنانية وأجزاء من سورية وفلسطين والأردن، وقد نال أحد أمرائهم فخر الدين المعني الأول الحظوة لدى السلطان العثماني سليم الأول عندما ساعده في معركة مرج دابق التي أنهت حكم المماليك لبلاد الشام ومصر ومهدت الطريق لحكم العثمانيين للعالم العربي لمدة ربت على أربعة قرون، وتقديراً له خلع عليه السلطان سليم لقب (أمير البر)، حكم الشوف، واتخذ بعقلين عاصمة له، واشتهر بفصاحته، اغتيل بأمر من والي دمشق سنة 1544م(6).
خلفه في الحكم ابنه الأمير قرقماز سنة1544م، وقد اتهم بسلب أموال الخزينة العثمانية عن طريق جون عكار، وأرسل الباب العالي إبراهيم باشا حاكم مصر للاقتصاص منه، فهرب إلى مغارة شقيف بالقرب من نيحا الشوف وتوفي بها سنة 1585م(7).
ثم خلفه في الحكم ابنه الأمير الشهير فخر الدين المعني الثاني، من مواليد بعقلين سنة 1572م، فقد علا صيته وشأنه، أنشأ جيشاً قوياً واستعاد مكانته بعد انتصار القيسيين على اليمانيين سنة 1591م، وتحالف مع علي جنبلاط( كردي – درزي) ضد ابن سيفا الكردي في طرابلس الشام، كما نظم الجيش، والضرائب، وسعى إلى توحيد بلاده، وتحالف مع توسكانيا في إيطاليا ليقدموا له الخبرة في صب المدافع وتطوير الزراعة، ومد نفوذه على صيدا وصفد ونابلس وعجلون، وحاول الاستقلال عن الدولة العثمانية،فبعثت الدولة العثمانية الوزير أحمد باشا نائب دمشق لمحاربته، وحدثت بينهما وقعات، ولم يظفر نائب دمشق منه بنصر، مما زاد من سطوة فخر الدين من خلال الاستيلاء على البلاد، وبلغ أتباعه نحو المائة ألف من الدروز والسكبان، واستولى على بلاد عجلون والجولان وحوران وتدمر والحصن والمرقب والسلمية، وسرى حكمه من بلاد صفد إلى إنطاكية، وبلغ شهرة وافية، وقصده الشعراء من كل ناحية، ومدحوه.
ولما تحقق السلطان العثماني مراد خان من سطوته ونفوذه وخروجه على سلطانه، صمم على مقاومته وإنهاء تمرده ونفوذه، فبعث لمحاربته الوزير أحمد باشا المعروف بالكوجك، وعين معه أمراء وعساكر كثيرة، فتوجه إليه، وانتصر عليه سنة 1633م، وقتل أولاً ابنه الأمير علي حاكم صفد، ثم قبض على فخر الدين ودخل به دمشق بموكب حافل، وهو مقيد على الفرس خلفه، ثم أرسله إلى الآستانة ومعه ولداه الأميران مسعود وحسين،وهناك تم حبس فخر الدين، وأرسل ولديه إلى سراي الغلطة، وفي سنة 1635 أمر السلطان مراد وزيره بيرام باشا بقتله، ورميت رقبته في مكان للوحوش يدعى بأرسلان خانه، وألقيت جثته في المكان المعروف بآت ميدان. أما أملاكه وعقاراته فقد وهبها السلطان إلى أحمد باشا كوجك. ثم عمدوا إلى ابنه مسعود فخنق وألقي بالبحر، أما حسين فشفع له صغر سنه فأبقوه في سراي الغلطة كعادتهم،وترقى في الرتب وتولى عدة مناصب عليا في الدولة العثمانية، فصار حاجباً في البلاط الثاني، فرئيساً للحجاب، فسفيراً في الهند ،ويقال إن طموح فخر الدين وتوسعه وتمرده وعدم تقديره لقوة الدولة العثمانية شجعه على ذلك، ولكنها أدت إلى فشل ثورته وانتهت به إلى مأساته المعروفة، وقد قال كمال الصليبي: تمكن فخر الدين عن طريق تشجيع الإنتاج وحماية التجارة، من ربط إمارته اقتصادياً إلى حد ما بالركب الأوروبي وجعلها زاوية صغيرة تنفذ إليها الفضة من بلاد الغرب، فنعمت البلاد في ظله بالازدهار لم يكن له مثيل في أي جزء آخر من بلاد السلطنة(8).
ثم تولى الإمارة بعده ابنه علي الذي توفى سنة 1635، فآلت الإمارة إلى الأمير ملحم الذي أعاد الأمن إلى المنطقة، وتوفي سنة 1657م، وبعده تولى الإمارة ابنه أحمد سنة 1657م، وكان آخر أمراء بني معن، إذ توفي سنة 1697 بدون عقب، وبذلك انقرضت سلالة المعنيين الذكور، وانتقل الحكم إلى الشهابيين بواسطة ابنته والدة الأمير حيدر موسى بعد مؤتمر السمقانية عام 1697م(9)، وقد أذن العثمانيون لأعيان لبنان انتخاب ابن أخته الأمير شهاب من وادي التيم، أميراً على البلاد، وهكذا أصبح الشهابيون أقرباء المعنيين وأصحاب وادي التيم أمراء على لبنان(10).
الأيوبيون
قدم الأيوبيون إلى لبنان في سنة 1139م، إذ تم تعيين أيوب بن شاذي والد صلاح الدين الأيوبي والياً على مدينة بعلبك، بعدما كانوا في قلعة تكريت في خدمة نور الدين زنكي، ثم رحلوا إلى الموصل فبعلبك، ومما يؤكد الانتماء الكردي للأسرة الأيوبية ما ذكره المؤرخ اللبناني كمال الصليبي بقوله:” الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي مؤسس الدولة الأيوبية في مصر، وكان أيوب بن شاذي وأخوه شيركوه من أكراد تكريت في العراق”(11). ثم ذهبوا إلى دمشق ثم مصر وأسسوا الدولة الأيوبية المعروفة.
كما كان هناك أمراء أيوبيون سكنوا مقاطعة الكورة في الشمال، ومن الذين أشاروا إلى موقع الأيوبيين في تلك المناطق ما ذكره كمال الصليبي بقوله:” وفي أيام الأيوبيين كان لأحد أمرائهم قلعة في المسيلحة، فأحد أودية لبنان الشمالي صعوداً من بلدة البترون.. ما زالت الأسوار الرائعة لهذه القلعة قائمة حتى اليوم”.(12)
وفي عهد الفاطميين الذين حكموا الأجزاء الجنوبية من لبنان أدخلوا إلى بعض مناطقها مستوطنين من العسكريين الأكراد ومن بينهم الأيوبيون، وأحفادهم لازالوا في قرية من قضاء البترون في شمالي لبنان يقال لها” رأس نحاش”، يحرصون على حفظ لقب الإمارة بالرغم من انحدار نفوذهم على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وربما هم الذين عناهم طنوس الشدياق في كتابه ” أخبار الأعيان في جبل لبنان” تحت اسم” أمراء رأس نحاش”(13).
أمراء رأس نحاش
هؤلاء الأمراء ينتسبون إلى الأكراد الذين وضعهم السلطان العثماني سليم الأول في مقاطعة الكورة شمالي لبنان في القرن السادس عشر، من أجل المحافظة عليها من الإفرنج سنة 1556م، وقد اشتهر منهم عدة أمراء، مثل:الأمير موسى والد الأمير إسماعيل سنة 1637م، وقد استخدمه شاهين باشا والشيخ علي حمادة وأرسلهما بقوة عسكرية لمحاربة آل سيفا في طرابلس وعكار وحصن الأكراد.
وهناك الأمير إسماعيل ، وفي سنة 1655 سار محمد باشا الكبرتي لقتاله وقتال الشيخ سعيد حمادة لعصيانهما بالمال الأميري، فقاتلهما فانكسرا وانهزم الأمير إسماعيل إلى الأمير أحمد بن ملحم المعني، فسلمه مدينة صور، ثم قتله قبلان باشا، وفي سنة 1693 ولى علي باشا الصدر الأعظم الأمير حسين على بلاد جبيل، وفي سنة 1771 أمر الأمير يوسف الشهابي بحرق قرية( عفصدين) قرية إسماعيل أحمد، وبذلك انتهى أمرهم في القرن الثامن عشر(14).
آل جنبلاط
آل جنبلاط من العائلات المشهورة في لبنان، وهم أكراد في الأصل، دروز المذهب، يسكنون اليوم في قضاء الشوف بجبل لبنان ، وتعد بلدة ” المختارة” قاعدة لهم. وقد قامت هذه الأسرة بدور سياسي فاعل أيام الدولة العثمانية في شمالي الشام، وفي جبل لبنان، كما أدت دوراً مماثلاً في تاريخ لبنان الحديث.
تنتسب هذه الأسرة إلى الأمير جان بولاد بن قاسم بك بن أحمد بك بن جمال بك بن عرب بك بن مندك الأيوبي الكردي، المنحدر من عشائر الأيوبيين الأكراد، وكان يعرف بابن عربي، وتولى إمارة معرة النعمان وحلب وكلس في شمالي الشام أيام الدولة العثمانية، وقد ذهب مع والده إلى استانبول، وهناك دخل مدرسة السراي السلطاني(اندرون همايون)، ثم دخل السلك العسكري في زمن السلطان سليمان القانوني، واشترك معه في حملته على بلغراد ومولدادا وعلى جزيرة رودس، واشتهر بشجاعته وجسارته، مما حببه إلى السلطان سليمان القانوني، الأمر الذي دعا جان بولاد الطلب منه بإعادة ملك أبيه له، فلبي طلبه وأعادت الدولة ملكه بفرمان سلطاني، وهناك سار في خطة حازمة وساس مقاطعته( حلب وكلس) بكل جدّ وثبات، وصار أمير الأمراء،عاش تسعين عاماً، وتوفى سنة 980هـ /1572م، ويعد الجد الأكبر والمؤسس لأسرة جان بولاد (جنبلاط) النبيلة، ويذكر في الشرفنامة أنه ترك سبعين ولداًً(15).
ولقد أقلق آل جنبلاط بال الدولة العثمانية في مطلع القرن السابع عشر بغية الاستقلال بإمارتهم في حلب وكلس شمالي الشام، فقاموا بثورات متتالية ضد السلطنة، كان من أبرزها ثورة حسين باشا جانبلاد والي حلب، وقد قتله الصدر الأعظم العثماني حين عودته من محاربة الصفويين ، لأنه تباطأ في نصرته، وعندما علم الأمير علي بمقتله ثار ضد الدولة وسار إلى طرابلس فاستولى عليها وأخذ تلك البلاد حكماً مستقلاً ، ولكن الدولة سيّرت إليه جيشاً فاستطاع الوقوف ضده وكسره عام 1607م، ولم يجد هذا الأمير إلا أن يسلم نفسه للسلطان الذي عفا عنه وعيّنه والياً على طمشوار بالنمسا، وفي نهاية الأمر قتله السلطان . كما قام بالثورة ضد الدولة التركية ابن أخيه علي باشا، لكن ثورات آل جنبلاط انتهت بالفشل، وشهد التاريخ لهذه الأسرة بدورها الحافل في حلب واستانبول ولبنان، وكان لبعضهم تحالفات مع المعنيين الكرد في جبل لبنان.
وقد بدأت أولى سلالتهم في لبنان سنة 1630م عندما نزل جانبولاد بن سعيد وابنه رباح لبنان بدعوة من الأمير فخر الدين المعني الثاني لما كان بينهما من ود وصداقة، ورحب به أكابر جبل لبنان ودعوه إلى الإقامة في بلادهم، فأقام في مزرعة الشوف، واعتمد عليه الأمير فخر الدين الثاني في مهمات أموره.
وبعد ذلك تزوج أحد أحفاده المدعو علي بن رباح جانبلاط ابنة الشيخ قبلان القاضي التنوخي كبير مشايخ الشوف لارتفاع نسب بيت علي الجنبلاطي، وعلو مقامه. ولما توفي القاضي التنوخي بلا عقب سنة 1712م اتفق أكابر الشوف أن يكون صهره (علي) في مرتبة الشيخ قبلان رئيساً عليهم. وبذلك اعتنق الجنبلاطيون المذهب الدرزي بعد أن كانوا على المذهب السني، وولى الأمير حيدر الشهابي الأمير علي جنبلاط مقاطعات الشوف، فسلك منهج العدل والرحمة في حكمه، ونشر الأمن، وساد العدل، واستمال الناس إليه، وكثر أعوانه من كل الطوائف والملل، وكان محباً للعلم والعلماء، كريماً حليما فاضلا، حتى أصبح شيخ المشايخ، أدركته الوفاة في بعذران سنة 1776م، وترك ست أولاد وهم ( يونس ونجم ومحمود وحسين وقاسم وجانبولاد)، وخلفه في الحكم ابنه الأمير قاسم، وكان مهيباً وديعاً عادلاً، توفى سنة 1791م، وكان من أولاده حسن وبشير وإسماعيل، وقد خلفه ابنه الشيخ بشير بن قاسم جنبلاط وصار من زعماء الإقطاع في عهد الأمير بشير الثاني الشهابي، ويعزى إليه بناء قصر المختارة، وإصلاح الطرق ، وإقامة المعابد، ونشر الأمن والعدل بين الرعية، حتى لقب بشيخ المشايخ، قتله عبد الله باشا والي عكا سنة 1825م(16).
ومن الذين اشتهروا في عالم السياسة في العصر الحديث السيدة نظيرة جنبلاط عقيلة فؤاد جنبلاط ، التي ترملت سنة 1922، فخلفت زوجها على مسرح السياسة اللبنانية، وكان لها دور فاعل، توفيت في بيروت سنة 1951م، فخلفها على المسرح السياسي ابنها كمال جنبلاط أحد كبار ساسة ومفكري لبنان، وكان له حضور سياسي في سياسة لبنان في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، ووضع الكثير من المؤلفات، اغتيل عام 1977، فخلفه في زعامة الدروز ابنه الأستاذ وليد جنبلاط، الذي شغل مناصب وزارية وبرلمانية عدة ، ويعد اليوم أحد أبرز أقطاب السياسة في لبنان المعاصر.
وقد عرف عن آل جنبلاط حسن السياسة، والكرم والجود، والاهتمام بالعمران، وكانوا عيون العدل والعلم والإصلاح، واحترام الطوائف الأخرى وخصوصاً المسيحيين، إذ سمحوا لهم بإقامة الكنائس في منطقتهم، وكلمة جانبلاط أصلها من كلمة (جان بولاد) كردية التي تعني (الروح الفولاذية)، وقد لقبوا بها لشدة بأسهم، وفرط شجاعتهم، وحسن سياستهم، وقد حرفت مع الاستعمال إلى جنبلاط.
آل سيفا
آل سيفا حكام طرابلس الشام في لبنان، اشتهروا بالكرم والأدب، وهم أكراد في الأصل، نزحوا من بلادهم واستوطنوا سهل عكار وطرابلس في شمالي لبنان، ومنها تولوا الحكم في طرابلس لمدة مديدة، وعلا شأنهم، ولا يزال في طرابلس أوقاف كثيرة باسمهم، يقتسم ريعها آل الشهال وغيرهم ممن يمتّون لهم بالنسب(17).
وقد قاموا بدور رئيسي في حياة لبنان السياسية خلال العهد العثماني، وكان لهم صدامات وصراعات مع المعنيين في جبل لبنان. ومما يؤيد الرأي القائل بكردية آل سيفا ما ذكره إبراهيم بك الأسود في كتابه ” إنهم أمراء أكراد استقرت لهم الإمارة بين الأعوام 1528و 1579م، عندما رقي الأمير يوسف بن سيفا سنة 1579م إلى رتبة وزير وعين والياً على طرابلس(18). وأكد أيضاً المؤرخ المعروف فيليب حتي بقوله:” وانتقل الحكم بعد بني عساف إلى منافسيهم بني سيفا في عكار، وكان بنو سيفا من أصل كردي، وقد اتخذوا من طرابلس مقراً لهم..”(19).
ويذكرهم الرحالة اللبناني رمضان العطيفي الذي زار طرابلس بقوله : ” إن أخبار بني سيفا بالمكارم والكرم وإسداء الفضل إلى أهل الفناء والعدم أشهر أن تذكر، حتى كان يقصدهم المحتاج وغير المحتاج من سائر البلاد ، ويقال عنهم إنهم أحيوا أيام البرامكة” .
وقال عبد الله نوفل : ” آل سيفا المشهورين بالكرم والأدب كانت لهم العزة الزاهرة والدولة الطاهرة حتى صاروا مقصد كل شاعر، ومورد كل مادح، وكانوا يعطون أعظم الجوائز، وهم أكراد نزحوا من بلادهم واستوطنوا عكار، ومنها تولوا الحكم في طرابلس ، ومنهم آل الشهال…” (20).
وقد حكمت هذه الأسرة المنطقة الواقعة بين نهر الكلب ونهر إبراهيم في القرن السادس عشر ، عندما تولى يوسف باشا ابن سيفا منصب حاكمية طرابلس الشام من قبل الدولة العثمانية 1579م . واستمر في منصب الولاية بعدما أبعد عنه عدة مرات حتى وفاته عام 1624م . وقد جرت بينه وبين الأمير فخر الدين المعني الثاني (1585 – 1635م) العديد من المعارك والتالفات عبر سنوات طويلة . وأدت تلك الحروب إلى خراب طرابلس ونهبها مرتين. واستمر آل سيفا في حكم طرابلس حتى الأربعينيات من القرن السابع عشر إلى أن استأصل شأفتهم شاهين باشا، بعد أن وصفوا بالكرم والفضل، ومقصد المحتاجين(21).
وتولى بعده الأمير حسين بن يوسف باشا، وكان قد تولى في عهد والده كفالة طرابلس الشام، ثم عزل عنها، ثم ولي كفالة (الرها= أورفا) ثم تركها وقدم حلب ولم يكن محمد باشا قره قاش واليها يودّه، فقبض عليه بالحيلة، وسجنه في القلعة، وخنقه بحلب بأمر من السلطان العثماني، وبعث بجثته إلى والده في طرابلس الشام سنة 1026هـ /1617م، وبكت عليه جماهير كثيرة لحسنه وشجاعته وبطولته ، ولم يتجاوز من العمر الثلاثين سنة(22).
وبرز منهم الأمير محمد بن الأمير علي السيفي الطرابلسي ، الذي تولى الحكم في طرابلس بعد الأمير يوسف باشا السيفي، وكان من أهل الأدب والفضل السامي، وله شاعر خاص يدعى محمد العكاري، توفي سنة 1025هـ/1623م . وكانت فضائله تستغرق العد. و له معارك مع الأمير فخر الدين المعني. قال المؤرخ المحبي في كتابه( خلاصة الأثر): الأمير محيي القريض ( المواليا ) الكثير . توفي مسموما وهو مسافر إلى بلاد الروم في قونية ( تركيا ) . وانهار البيت السيفي بعده. رثاه الشاعر حسين بن الجزري بقوله :
ولما احتوت أيدي المنايا محمــــد آل أمير ابن سيفا طاهر الروح والبدن
تعجبت كيف السيف يغمد في الثرى وكيف يواري البحر في طيه الكفن(23).
ويعدّ عهد آل سيفا في مدينة طرابلس الذي استمر حتى الأربعينيات من القرن السابع عشر عهداً ذهبياً بالنسبة لها على الرغم مما شاهدته من حروب ومآسِ. ويذكر الرحالة رمضان العطيفي الذي زار طرابلس عام 1634 بقوله :” إن أخبار بني سيفا بالمكارم والكرم وإسداء الفضل لأهل الفناء والعدم أشهر من أن تذكر، حتى كان يقصدهم المحتاج وغير المحتاج من سائر البلاد، ويقال إنهم أحيوا أيام البرامكة-أيام هارون الرشيد-“(24).
ومن رجالاتهم الفاضل الشيخ محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن محمد بن رجب بن سعد الدين باشا المنسوب لبني سيفا الأكراد في طرابلس الشام، ولد فيها سنة 1285هـ /1868م. وتلقى علومه الدينية على يد الشيخ حسين ولازمه مدة عشر سنوات حتى أجازه بالتدريس. وأخذت الطلبة ترد إليه من سائر الجهات ، ثم عمل مدرساً للغة العربية في مدرسة كفتين الداخلية الوطنية الكبرى في طرابلس . ثم سافر إلى الآستانة ولبث هناك مدة ، وبعد رجوعه شرع في تأليف رسالة في علم الفلك ، ثم أخذ يفسر القرآن الكريم في أسلوب مختصر ، وألف رسالة عن ” دود الحرير وتربيته وحفظه” ، ونال على ذلك جائزة من الحكومة العثمانية مع الميدالية الذهبية ، ثم ألف رسالة في ” كيفية استخراج الزيوت من النباتات”، وله ” مختصر رسالة في علم المعاني والبيان” .
وله خدمات وطنية تذكر بالشكر ، وكان رضي الأخلاق، حسن المعاشرة، وفياً لأصدقائه ، واسع الاطلاع، توفي سنة 1336هـ/1918م(25) .
واستمرت هذه الأسرة تكبر وتقوى حتى غدت ذات قدرة وبأس، فخاف العثمانيون من خطرها وحرضوا ضدها بعض الولاة. وفي عام 1640 بادر متصرف طرابلس شاهين باشا إلى قتل الأمير عساف سيفا زعيم الأسرة آنذاك، ثم قضى على جميع أفرادها ومحقهم تقريباً(26).
آل الشهال
آل الشهال من الأسر الكريمة والقديمة في مدينة طرابلس الشام ، وهم يمتون في نسبهم لآل سيفا الأكراد حكام طرابلس على مدى أعوام طويلة، ويؤيد نسبهم أنهم يأخذون مع بعض العائلات من ربع أوقاف آل سيفا، وبرز من هذه العائلة أفراد اشتهروا بالشعر والأدب، كالشيخ محمود بن عبد الله الشهال، وابن عمه الأستاذ محمد، والأديب فضل أفندي، والفاضل القانوني جميل أفندي رئيس محكمة صيدا. ومن شعرائهم المجيدين الشاعر الشيخ محمود بن عبد الله الشهال. الذي ولد في طرابلس لبنان سنة 1252هـ /1835م، وقد تعلم على يد شيوخ طرابلس ودخل في سلك موظفي الدولة العثمانية فعين مديرا في طرابلس، وعضوا في مجلس البلدية أعواما طويلة ، وعمل رئيس كتاب مجلس الحقوق وغير ذلك من الوظائف الإدارية، وكان حسن المحاضرة مفوها واسع الاطلاع ، جهوري الصوت ، ماهراً في تلحين القصائد، وله موشحات جميلة . كان شاعراً مطبوعا مجيدا نظم في سائر أبواب الشعر ، وكان غزير المادة ، رقيق الأسلوب ، لطيف المعاني . له ديوان مطبوع(27) .
آل خضر آغا
آل خضر آغا من الأسر الكريمة في طرابلس لبنان وهم أكراد حسبما قال حبيب نوفل في كتابه: ولقد اطلعت على حجج ووثائق شرعية كثيرة ممهورة بأختام قضاة ذلك العصر ومفاتيه، وأجلاء الشيوخ والعلماء تؤكد صحة اتصالهم بالنسب لآل سيفا( الأكراد)، ومن تلك الوثائق التي تؤكد نسبهم الوثيقة الآتية ” بمجلس الشرع الشريف ومحفل الحكم المنيف بطرابلس الشام المحمية لنصب متولية سيدنا… وناقل ذا الخطاب المدعي فخر الأماثل الكرام إبراهيم آغا ابن المرحوم مصطفى آغا خضر زاده مشرفا شرعياً وناظراً على وقف الست أصيل بنت يوسف باشا السيفي زوج خضر آغا العائد وقفها على ذريته الذي هو جد الناظر المنصوب الأعلى بتصادق مستحقي الوقف وأذن له بالإشراف على الوقف، والنظر على متوليه الحاج أحمد آغا خضر آغا ، بمعنى أن لا يتقاضى أمرا ولا مصلحة في الوقف بدون إطلاعه … وسطر بالطلب عن شهر رجب سنة 1245هـ”(28).
ولقد نبغ منهم رجال لمعوا في سماء الوجاهة والكرم كخضر آغا بن مصطفى ضابط الراجلين المحافظين بطرابلس، وهناك محمود آغا رئيس بلدية طرابلس وعضو في مجلس إدارتها، وشقيقه سعيد آغا رئيس بلدية طرابلس.
آل العماد/ العماديون
أسرة كبيرة معروفة تقيم في جبل لبنان وذات منابت إقطاعية، تعود بنسبها إلى جدهم (عماد)، وهو كردي الأصل قدم من مدينة ( العمادية) القريبة من مدينة الموصل في كردستان العراق، إذ جاء مهاجراً إلى لبنان وسكن قرية ( مرطحون)، ثم ارتحل إلى الباروك، ومنها انتقل أحفاده إلى منطقة الشوف ، فاعتنقوا المذهب الدرزي الشائع هناك وأصبحوا من كبار الملاكين، كما اعتنق بعضهم الديانة المسيحية المارونية. ومما يؤيد كرديتهم ما كتبه الدكتور سليم الهيشي بقوله:” يمتون بصلة القربى إلى عماد الدولة الديلمي الكردي الذي حكم منطقة العمادية…”.
أما الدور المهم الذي قام به العماديون في تاريخ لبنان عموماً، ومع الدروز خصوصاً هو تزعمهم للحزب اليزبكي… نسبة إلى الجد الأعلى للشيخ العماد وهو يزبك، وهم اليوم دروز المذهب(29).
آل مرعب أو المراعبة
المراعبة من أمراء عكار في شمالي لبنان، ينسبون إلى الأكراد الرشوانية، قدم جدهم مرعب إلى بلاد طرابلس من منطقة عفرين الكردية في سورية، وتوطنت سلالته سهل عكار، وهم من الأسر الإقطاعية العريقة في لبنان، ويعتنقون المذهب السني، ومما يؤيد نسبهم ما ذكره أحمد محمد أحمد في كتابه( أكراد لبنان) بقوله” أمراء ينتسبون إلى جدهم مرعب أحد بكوات الأكراد في هكاريا( سلسلة جبال تمتد في المناطق الكردية الموجودة ضمن تركيا والعراق)”(30). وما ذكره أيضاً حبيب نوفل في كتابه( تراجم علماء طرابلس) بقوله:” بنو مرعب أكراد الأصل، قدم جدهم من بلاده واتخذ عكار موطناً، وتملكت سلالته الدور الشاهقة والأملاك الواسعة في تلك البلاد، وتولى منهم حكومة طرابلس مثل الأمير شديد الذي تواقع مع عيسى حمادة سنة 1714م، وعثمان باشا المرعبي في القرن التاسع عشر، وعلي باشا الأسعد المرعبي، ومنذئذ تلقب أولاده وأحفاده بالبكوات، أما سائر أفراد بني مرعب فكانوا يلقبون بالآغوات، حتى أنعمت عليهم الحكومة بلقب بكوات، أسوة بأبناء عمهم(31).
حكم المراعبة منطقة عكار قرابة المائة عام ، ولازالوا إلى اليوم يتمتعون ببعض التأييد في قضاء عكار الذي يملكونه ، وإلى وقت قريب كان أحد أبناء هذه الأسرة المدعو طلال المرعبي تولى منذ سنة 1972 نائباً عن المقعد السني في قضاء عكار واستمر حتى سنة 1992، ثم أعيد انتخابه عن المقعد نفسه، كما تكرر فوزه في الانتخابات النيابية لسنة 1996م(32).
ومن مفاخر بني مرعب المدعو (علي باشا الأسعد المرعبي)، كان رجل زمانه، خبرة ومضاء عزيمة، ومهابا عاقلا، و فارسا مغوارا ، جسوراً فصيحا. قال عنه الكاتب ( نوفل نوفل) في تاريخه:( كشف اللثام في حوادث مصر وبر الشام): ” إنه كان يقصده ذوو الحاجات فيقضيها، ويرجو الفقراء نوال كفه فيعطيهم، ويمتدحه الشعراء بغرر القصائد فيجزل صلتهم. وكان فصيحاً ، وله مشاركة في الأدب والشعر، ووفياً لأصدقائه ومن يلوذ به”.
عزله أحمد باشا الجزار عن حكومة طرابلس، لكنه رجع لمنصبه، وأنعمت عليه الحكومة العثمانية برتبة الباشاوية( مير ميرانية)، وأكثرَ الشعراءُ مِن مدحه، ومنها قصيدة للشيخ أمين الجندي الشهيرة يقول فيها:
لا تكثري عتبي فلست أرى حسن التخلص من قيل ومن قال
إلا بمدح أحمد الشهم الشديد ومن له الجناب الرفيع البـــاذخ العالي
كأنه الليث تغدو خلفه زمر كواسر من بنيه خير أشبال
قس الفصاحة سحبان البلاغة مقـ ـداد الشجاعة مولى كل أفضال
مناقب لم يزل بالعجز معترفا عن حصرها كل نقاد ونقال
يا آل أسعد لا زالت منازلكم عذراء تسعد من كفيك بالقبل
وقال فيه الشاعر بطرس كرامه:
هذا ابن أسعد لا ندّ يشاكله المرعب الضد بالهندية الأسل
يا آل مرعب لازالت رماحكمُ تمتد خلف العدا قطاعة الأجل
يا لآل مرعب إن الفخر حق لكم والفخر فيكم علي جاء بالمثل(33)
عائلات أخرى
وفي لبنان عائلات كردية أخرى مثل آل عبود في عكار شمالي لبنان، وعائلة “المعيطات” في عكار من أصل كردي وتنحدر من أكراد عفرين. وهناك عائلات كردية في جنوب لبنان، فقد عرف جبل عامل أسراً لبنانية كردية قديمة مثل آل الفضل في النبطية، الذين ينتمون إلى ( الصعبيين) الذين هم من أصل كردي، ويعودون إلى جدهم الأول بهاء الدين الذي أنجب ثلاثة أبناء أكبرهم علي الذي لقبوه فيما بعد باسم (صعب)، ومن المعلوم أن آل الفضل يحتلون مركزاً اجتماعياً وسياسياً كبيراً في الجنوب، وتولى عدد منهم مناصب الوزارة والنيابة والإدارة. وقد حكم الصعبيون منطقة بلاد الشقيف في مرحلة تاريخية سابقة، وقبل أن يقضي على نفوذهم أحمد باشا الجزار والي صيدا المعروف. وينتشر الصعبيون اليوم في قرى النبطية والمروانية والبابلية وأنصار وزفتا ودير الزهراني وكفر رمان جنوب لبنان(34).
وهناك عائلتا نصر الله وأبي غانم في قضاء الشوف، وآل حميُّة في قرية (طاريا) في البقاع والتي قدموا إليها من العراق مع جدهم حمو الكردي ، وهم على المذهب الشيعي(35).
الأكراد الحاليون
لاشك أن الأسر الكردية الكبيرة مثل المعنيين وآل جنبلاط وآل سيفا والعماديين وسواهم ذات أصول كردية معروفة، ومع الأيام أصبحوا لبنانيين مستعربين، وربما ضعف ارتباطهم بكرديتهم وأصولهم البعيدة، وصارت جزءاً من الماضي ، وأصبحوا اليوم أكثر ارتباطاً بمصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان، أما الأكراد الحاليون والذين لازالوا محافظين على لغتهم وعاداتهم وأصولهم الكردية، وارتباطهم الروحي بالكرد وكردستان، فهؤلاء يشكلون الجالية الكردية الحالية في لبنان، وقد هاجروا إليها من منطقة ماردين وطور عابدين وبوطان في كردستان تركيا بسبب ضيق سبل العيش في مواطنهم الأصلية من جهة، وخوفاً من الاضطهاد التركي الذي أرعبه التحرك السياسي للأكراد في كردستان. وفشل الثورات الكردية هناك وبالذات ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925، وما نتج عنها من تهجير جماعي للأكراد في منطقة ديار بكر، وفي فترة الأربعينيات من القرن العشرين حضر 80% من الأكراد المهاجرين إلى لبنان بين العامين 1924و 1940 ، وانطلقت من الاعتبارات الآتية: الظروف المعيشية الصعبة التي مر بها الأكراد في تركيا، وما ينقل إليهم عن طريق أقاربهم وأصدقائهم عن رخاء العيش الموجود في لبنان، وإعدام مئات الأكراد في إيران بعد سقوط جمهورية مهاباد الكردية هناك، مما انعكس معنوياً على أكراد تركيا من جهة، والخوف من مجازر مماثلة قد يقوم بها الحكم ضدهم في تركيا من جهة أخرى.أما المحطة الأخيرة للهجرة فكانت في العام 1980 بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال كنعان أفرين في تركيا، إذ تعامل مع الأكراد بشدة وقمع متناهيين، مما هيأ لهجرة مجموعات كردية أخرى إلى لبنان(36).
لذا يمكننا القول إن الغالبية الساحقة من أكراد لبنان جاءت من كردستان تركيا عبر التوجه إلى منطقة الجزيرة السورية من نصيبين- القامشلي- الحسكة- دير الزور- حلب- حمص – حماة- طرابلس- فبيروت.
أما توزيعهم الجغرافي في لبنان ، فقد تجمع أكثريتهم في ضواحي بيروت، في أحياء مثل زقاق البلاط، ومنطقة رياض الصلح، والكرنتينا، والمسلخ، والمزرعة، والمصيطبة، وبرج البراجنة في حي السباعي، ومنطقة وادي أبو جميل، ومنطقة الباشورة، وفرن الشباك، والمرجه. ومنهم من استقر في طرابلس في أحياء التربيعة، والزاهرية، وظهر المغر، والقبة، وفي البقاع في قرى الخيارة، والفرزل، وكفر زبد.
ويقدر عدد كرد لبنان عام 1983 بنحو 90 ألف، وأكثريتهم يعتنقون المذهب السني ، ويتكلمون اللغة الكردية، ولازال أكثر من 70% منهم بدون جنسية، ولا يحملون إلا ورقة هوية قيد الدرس تجدد كل سنة.
أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب…
المزيد