الكرد في بلاد مصر
تعد مصر من أكثر البلدان العربية التي كانت لها علاقات وثيقة وقديمة بالكرد، فوجدت علاقات قديمة بين الميتانيين الكرد والملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، برزت من خلال زواج بعض الأميرات الميتانيات من الملوك المصريين أمثال الملكة الجميلة نفرتيتي التي حكمت عرش مصر. ورغم قلة المصادر التي توضح لنا صور وأشكال تلك العلاقات بينهما في ذلك الحين، فإننا نستطيع رصدها بشكل واضح بعد الفتح الإسلامي لكردستان ودخول الكرد كمكون جديد للأمة الإسلامية، ساهموا مع إخوانهم من المسلمين في صنع الحضارة الإسلامية الزاهية، وأخذ الكرد يتوافدون على مصر على هيئة رجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وطلبة علم طوال الحقبة الإسلامية، الممتدة عبر خمسة عشر قرنا من الزمان، ومن هؤلاء من استقر بمصر واتخذها دار سكن وإقامة، ومع الزمن اندمجوا مع السكان الأصليين وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول، ولم يبق لهم من تلك الصلة سوى الاسم، ومن صلبهم نبغ العديد من القادة العسكريين ورجال الإدارة والأدباء والشعراء والفقهاء والمحدثين والفنانين، وأسدوا خدمات جلى لوطنهم مصر، ومع ذلك لم ينكروا كرديتهم .
وفي مصر أيضاً شكّل الكرد لهم فيها دولتين عظيمتين، الأولى الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، وأسهمت في رد الغزو الصليبي عن المنطقة، وساهمت في بناء نهضة اقتصادية وعمرانية وثقافية كبيرة يشهد لها التاريخ، مع إعادة نشر المذهب السني ونشره في مصر وبلاد الشام.
أما الدولة الثانية فهي التي أنشاها محمد علي باشا الكبير – أصله من أكراد ديار بكر – في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، واعتبر بحق مؤسس مصر الحديثة وصانع نهضتها العلمية والزراعية والعسكرية والصناعية.
كما نبغ في مصر طوال القرن العشرين عباقرة وقامات كردية كانوا من رواد حركة الإصلاح والتحرر والفكر والأدب والفن في مصر والعالم العربي، أمثال: الإمام المصلح محمد عبده، قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشاعرة عائشة التيمورية، والقاص محمود تيمور، والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، والباحث حسن ظاظا، والفنانة سعاد حسني، والمخرج السينمائي أحمد بدرخان وابنه علي.. والكثير الكثير من الرموز الكردية، التي ساهمت في صنع نهضة مصر الحديثة. وفي هذا المقال المطول نسلط الضوء على طبيعة العلاقة التاريخية بين الكرد ومصر منذ القدم وحتى اليوم.
الكرد في العصر الفرعوني
إن أقدم علاقة تاريخية سجلت بين الكرد والفراعنة المصريين ترجع إلى الميتانيين (الحوريين) – أجداد الكرد، الذين شكلوا مملكة ميتاني في القرن السادس عشر حوالي سنة 1500ق.م، وعاصمتها ( واشوكاني) على نهر الخابور، وامتد نفوذها على جميع كردستان، وعرفهم المصريون باسم نهارين، وشكلوا طبقة أرستقراطية كانت مسؤولة عن إدخال الحصان والعربة إلى المنطقة. وانتهت هذه المملكة في عهد الملك الآشوري ( آشور ناصربال) سنة 1335ق.م.
وقد تعرضت مملكتهم للغزو المصري بزعامة تحتمس الأول، لكن الميتانيين استطاعوا التخلص من التبعية المصرية باتفاقهم مع الحثيين في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وأصبحوا يملكون قرارهم بأنفسهم. لكن في المقابل كانت هناك علاقات وطيدة بين الطرفين ترسخت في عهد الملك الميتاني ( توشرتا نحو 1390ق. م) الذي وصفته الوثائق المصرية بالصديق الموالي لمصر، وكانت بينه وبين ملوك مصر رابطة مصاهرة ونسب، وله مراسلات مطولة مع أمنحوتب الثالث ( توفي 1375ق. م). وأمنحوتب الرابع( توفي 1358ق.م). ووجدت بعض من هذه الرسائل المتبادلة في تل العمارنة مكتوبة باللغة الميتانية في نحو ستمائة سطر. وكانت إحدى شقيقاته من بين زوجات أمنحوتب الثالث، كما أن إحدى بناته المدعوة ( نفرتيتي) كانت زوجة أمنحوتب الثالث ومن بعده أمنحوتب الرابع.
وفي إحدى رسائل هذا الملك الميتاني التي كتبها لزوج أخته الفرعون المصري أمنحوتب الثالث(توفي 1375 ق.م) يخاطبه بهذه العبارات:
إلى ميمّوريا الملك العظيم، ملك مصر، أخي،
صهري الذي يحبني والذي أحبه،
هكذا يقول توشراتا الملك العظيم ، حموك،
الذي يحبك، ملك ميتاني، أخوك:
إنني في حالة حسنة، عسى أن تكون في حالة حسنة!
وبيتك، وشقيقتي وسائر نسائك وأولادك،
ومركباتك وخيولك وجيشك،
وبلادك وجميع ممتلكاتك.
ليكثر السلام عليك!(1)
كما تأثر المصريون القدماء بالديانة الحورية في عهد ملكهم أمنحوتب الرابع، ما بين عام (1371 – 1358 ق.م )، وشاركت العديد من الأميرات الميتانيات مع أزواجهن في حكم مصر أمثال الملكة المشهورة ( نفرتيتي ).
نفرتيتي الميتانية على عرش مصر
نفرتيتي تلك الملكة الميتانية الجميلة، التي حكمت مصر في ظل ديانة التوحيد (1369 ق.م) هي زوجة الملك أمنحوتب الرابع الشهير بأخناتون ( 1369-1353 ق.م) عاشر فراعنة مصر من الأسرة الثالثة عشرة، وأول من أعلن ديانة التوحيد بطريقة رسمية، ونادى بوحدانية الله الواحد الأحد، وكان يراه في قرص الشمس، وحطم الأصنام، وأعلن زهده.
واسم ( نفرتيتي) يعني الجميلة المقبلة، كانت شريكة زوجها في إعلان التوحيد، وعاشت معه حياة وردية رقيقة، أنجبت له ست بنات، وشاء القدر أن يحرمها من إنجاب من يرث العرش.
وصفها زوجها بقوله:” مليحة المحيا، بهيجة بتاجها ذي الريشتين، تلك التي إذا ما أصغى إليها الإنسان طرب، سيدة الرشاقة، ذات الحب العظيم، تلك التي يسّر رب الأرضين صنعها”. كما وصفها في مناسبات أخرى:”الجديرة بالمرح، ذات الحسن، حلوة الحب، جميلة الوجه، زائدة الجمال التي يحبها الملك، سيدة السعادة، سيدة جميع النساء”. لذلك تميزت بجمالها وجاذبيتها، وشخصيتها القوية على زوجها وانعكاساتها على عصرها.
تولت عرش مصر لفترة محدودة، ومنحت ألقاباً عديدة منها ” الزوجة الملكة العظمى”، و”سيدة مصر العليا والسفلى، سيدة الأرضين”. ثم وقعت في محنة الردة التي شقيت بنتائجها بعد وفاة زوجها، انتهت حياتها بمأساة، لها تماثيل نصفية خلدت جمالها الرائع، موجودة اليوم في متحفي برلين والقاهرة(2).
أكراد المهجر يفتخرون بفوز المغرب يتقدم الاتحاد العالمي لأكراد المهجر بالتهنئة إلى جلالة الملك محمد السادس والشعب المغربي على الفوز العظيم الذي حققه منتخب…
المزيد“كردستان” أول صحيفة كردية تصدر في مصر نتيجة للتفاعل والتواصل المصري – الكردي أصدر الأمراء البدرخانيون المهاجرون من كردستان تركيا بعد ثوراتهم العديدة إلى مصر…
المزيدالتحالفات الكردية- المصرية خلال القرن التاسع عشر أولاً: تحالف الأمير بدرخان مع إبراهيم باشا المصري استطاع أمير بوتان بدرخان بن عبدال خان الاستقلال بإمارته عن…
المزيد